بين الضعف والرفض.. هكذا ينظر المصريون بالخارج لمبادرات (السيسي- مدبولي)

- ‎فيتقارير

يشكو كثير من المصريين بالخارج من أن الدولة لا تقدم لهم الرعاية الكافية، وأن المبادرات التي تُطرح في الداخل، مثل شهادات ادخار بالدولار أو مبادرة استيراد السيارات أو مشروعات الإسكان، تُستخدم فقط كأداة لجذب مزيد من النقد الأجنبي دون تقديم مقابل ملموس لهم.

 

 

ويمثل المصريون بالخارج ركيزة أساسية للاقتصاد المصري، لكن مشاركتهم في المبادرات الرسمية ضعيفة للغاية مقارنة باستثماراتهم في بلدان الإقامة. الغالبية ترى أن هذه المبادرات تفتقر إلى الشفافية والتنفيذ الجيد، وتفضل الاستثمار حيث يعيشون، حيث العائد أوضح والمخاطر أقل.

 

ويعتبر المصريون أن الدولة تتذكرهم فقط عند الحاجة إلى أموالهم، بينما يغيب الدعم الحقيقي عندما يحتاجون إليها.

 

 

وفي 2025 سجلت تحويلات المصريين بالخارج قفزة قياسية، حيث بلغت نحو 33.9 مليار دولار خلال أول 10 أشهر، مقارنة بـ23.7 مليار دولار في الفترة نفسها من 2024، أي بزيادة تقارب 43%.

 

 

في أكتوبر 2025 وحده وصلت التحويلات إلى 3.7 مليار دولار، مقابل 2.9 مليار دولار في أكتوبر 2024، بزيادة 26.2%.

 

 

رغم هذه الأرقام، كانت هناك فترات سابقة شهدت تراجعًا كبيرًا، مثل عام 2023 حين انخفضت التحويلات بنحو 10 مليارات دولار لتسجل 22 مليار دولار فقط.

 

 

وتظهر الأرقام المتاحة أن مشاركة المصريين بالخارج في مبادرات الدولة مثل شهادات بلادي أو مبادرة السيارات كانت محدودة نسبيًا، بينما توجههم للاستثمار في بلدان الإقامة أكبر بكثير.

 

فعدد المصريين بالخارج يتجاوز 11 مليون شخص، لكن نسبة صغيرة منهم شاركت في أدوات مثل شهادات بلادي، في حين أن الغالبية تستثمر في العقارات أو الأعمال الصغيرة حيث يعيشون.

 

 

شهادات بلادي الدولارية

 

وطرحت حكومة السيسي (شهادات بلادي الدولارية) من خلال البنوك المصرية منذ 2016 بعوائد تراوحت بين 3.5–5.5% بالدولار، بهدف جذب مدخرات المصريين بالخارج. ورغم الترويج لها كأداة ادخار وتحويل عوائد إلى حسابات خارجية، ظل الإقبال ضعيفًا للغاية مقارنة بحجم الجالية التي تتجاوز 11 مليون شخص.

 

وأوضحت تقارير مصرفية أن حجم الاكتتاب لم يتجاوز بضع مئات ملايين الدولارات خلال سنوات، أي أقل من 1–2% من إجمالي المصريين بالخارج، بينما المبادرات الأخرى مثل فتح حسابات مصرفية أو طرح فرص استثمارية صناعية لم تحقق مشاركة واسعة أيضًا.

 

مبادرة السيارات

 

وأطلقت حكومة السيسي مبادرة استيراد السيارات للمصريين بالخارج بين 2022 و2023 وقُدمت كخطوة لتسهيل دخول سياراتهم مقابل وديعة دولارية تُسترد بعد خمس سنوات، ولاقت في البداية إقبالًا واسعًا حيث سجل نحو 200 ألف شخص عبر المنصة الإلكترونية.

 

وأثناء التنفيذ واجهت المبادرة عقبات كبيرة؛ من تعقيدات الإجراءات الجمركية إلى تأخر الإفراج عن السيارات وغياب آليات واضحة لاسترداد الوديعة، ما أدى إلى عزوف الكثيرين واعتبارها عبئًا إضافيًا بدلًا من ميزة.

 

وأقرت وزارة الهجرة أن التنفيذ الفعلي كان أقل بكثير من حجم التسجيل، ليصبح المثال الأبرز على ضعف المبادرات الحكومية، مثل مشروعات الإسكان التي لم يتجاوز الإقبال عليها آلاف قليلة.

 

 

مشروعات الإسكان

 

مشروعات الإسكان للمصريين بالخارج طُرحت كفرصة لشراء أراضٍ وشقق بأسعار تفضيلية، لكنها واجهت مشكلات كبيرة في التنفيذ، أبرزها ارتفاع الأسعار الفعلية مقارنة بالوعود، تأخر التسليم، وعدم توافر الخدمات الأساسية في بعض المواقع.

 

 

وفي مبادرة “بيتك في مصر” للمصريين بالخارج، تتراوح مساحات الوحدات بين 100 متر² حتى 229 متر²، بينما يبدأ مقدم الحجز من 5000 دولار للشقق و 9000 دولار للفيلات، مع سداد باقي القيمة بالدولار على أقساط.

 

 

وفي شقق جنة – المنصورة الجديدة طرحت مساحة 100 متر² بسعر يقارب 1.82 مليون جنيه (سعر المتر 18,200 جنيه)، وفي  شقق جنة – دمياط الجديدة المساحة ذاتها بسعر يقارب 1.945 مليون جنيه (سعر المتر 19,451 جنيه).

 

وفي شقق دار مصر – برج العرب الجديدة ، مساحة 130 متر² بسعر يقارب 1.929 مليون جنيه (سعر المتر 14,840 جنيه)، وشقق دار مصر – بدر بمساحة 100 متر² بسعر يقارب 1.56 مليون جنيه (سعر المتر 15,600 جنيه).

 

 

وفي العلمين الجديدة – الحي اللاتيني مساحات الوحدات من 119 متر² حتى 229 متر²، بأسعار بين 6.17 مليون و9.4 مليون جنيه، وسعر المتر يتراوح بين 42 و51 ألف جنيه.

 

 

وتختلف الأسعار داخل مصر بشكل كبير بين المشروعات فدار مصر وبرج العرب وبدر تقدم أسعار أقل نسبيًا (14–16 ألف جنيه للمتر) وتعتبرالعلمين الجديدة – الحي اللاتيني الأغلى بفارق كبير، حيث يتجاوز سعر المتر 40 ألف جنيه.

 

وكثير من المصريين بالخارج اعتبروا أن الهدف الأساسي من هذه الطروحات هو جمع العملة الصعبة وليس توفير سكن حقيقي لهم. ورغم الإعلان عن آلاف الوحدات، ظل الإقبال محدودًا للغاية ولم يتجاوز آلاف قليلة من الحجوزات، ما يعكس ضعف المشاركة وفقدان الثقة في جدوى هذه المبادرات.

 

 

 

الاستثمار الصناعي

 

 

حتى الآن، فإن أهم مشروعات الاستثمار الصناعي التي طُرحت للمصريين بالخارج لم تتجاوز مرحلة الإعلان أو التنسيق مع وزارة الإنتاج الحربي ووزارة الهجرة، حيث تم الحديث عن 3 مشروعات صناعية للتعاون مع المصريين بالخارج، لكن حجم المشاركة الفعلية ظل محدودًا للغاية، ولم تُعلن أرقام واضحة عن استثمارات أو مساهمات كبيرة.

 

 

وفي 2024 أعلنت وزارة الإنتاج الحربي بالتعاون مع وزارة الهجرة عن 3 مشروعات صناعية يمكن للمصريين بالخارج المشاركة فيها، بهدف توطين التكنولوجيا وزيادة مساهمة الخبراء المصريين بالخارج في الصناعة.

 

 

ومجالات المشروعات؛ الصناعات الهندسية، والصناعات الدفاعية الموجهة للقطاع المدني، ومشروعات مرتبطة بتوطين التكنولوجيا الحديثة وكان الهدف المعلن؛ استغلال فائض الطاقات الإنتاجية لشركات الإنتاج الحربي لصالح القطاع المدني، مع فتح الباب أمام المصريين بالخارج للاستثمار أو نقل خبراتهم.

 

 

ولم تُعلن الحكومة أرقامًا دقيقة عن حجم الاستثمارات أو عدد المشاركين من المصريين بالخارج، وأكدت تقارير إعلامية أن المشاركة اقتصرت على لقاءات ومؤتمرات مع خبراء بالخارج، دون ترجمة إلى استثمارات إنتاجية كبيرة.

 

 

المبادرات وهمية؟

 

 

ويجمع هذه المبادرات؛ غياب الشفافية في تفاصيل إدارة الأموال وشروط البيع وشفافية ضمانات العائد واسترداد الأموال ، مع ضعف التنفيذ، حيث تُعلن مبادرات ثم تتعثر كثير منها بعد الإعلان، ما يفقدها المصداقية أو لا تُطبق كما وُعد بها،  إضافة إلى الاثر الاقتصادي المحدود، إذ لا يشعر المصري بالخارج أو أسرته بمردود ملموس رغم مليارات التحويلات.

 

 

 

توجه المصريين للاستثمار في بلدان الإقامة

 

وتشير تقارير السوق العقاري تشير إلى أن المصريين ضمن أكبر 10 جنسيات مستثمرة في العقارات بدبي، بحجم استثمارات يقدَّر بنحو 1.5–2 مليار درهم سنويًا (ما يعادل 400–500 مليون دولار).

 

 

وعدد المصريين بالخارج، نحو 11.08 مليون شخص حتى 2022، ويملك المصريون في الرياض وجدة عشرات الآلاف من الشراكات في شركات صغيرة ومتوسطة أو يملكون محلات تجارية، بحجم استثمارات بمليارات الريالات سنويًا.

 

 

وفي الكويت وقطر: استثمارات بمئات الملايين من الدولارات في العقارات والخدمات، ويُقدَّر استثماراتهم مئات الملايين من الدولارات سنويًا.

 

 

وتشير تقارير الهجرة الدولية إلى أن 87% من المصريين هاجروا لأسباب اقتصادية، الفقر والبطالة والتضخم، ما يعني أن استثماراتهم مرتبطة مباشرة بتحسين مستوى معيشتهم في الخارج.

 

 

ويشكو أغلب المصريين بالخارج من غياب الرعاية المباشرة من السفارات والقنصليات في الأزمات، وضعف التواصل مع الجاليات وعدم إشراكهم في صياغة السياسات وغياب الحوافز الاستثمارية الحقيقية، والاكتفاء بمبادرات استهلاكية أو عقارية، فضلا عن الشعور بالتهميش، حيث تتذكرهم الدولة فقط عند الحاجة إلى العملة الصعبة.