موائد المصريين لم تعد تعرف اللحوم فى زمن الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي بسبب الارتفاع الجنونى فى الأسعار وتراجع الدخول وتزايد أعداد العاطلين عن العمل وهكذا لم يعد اللحم جزءًا من المائدة اليومية أو الأسبوعية بل تحوّل بالنسبة لكثير من الأسر إلى ذكرى مرتبطة بأيامٍ قد لا تعود .
كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولت في يوليو الماضي فيديو، يظهر مُسنة وهي تقبل يد محافظ الجيزة الانقلابى، راجية أن يوفر لها قليل من “اللحمة”، ما ادى إلى حالة من الغضب بين المواطنين، الذين رأوا في توسل السيدة امتهان لكرامة المواطن المصري، تتعلق بإهدار حقه الدستوري في الحصول غذاء صحي وحياة كريمة.
فى هذا السياق كشفت بيانات صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) أن نسبة المصريين غير القادرين على تحمّل تكلفة نظام غذائي صحي وصلت إلى نحو 85% وهي واحدة من أعلى النسب عالميًا. وأكدت المنظمة أن نحو 45% من المصريين غير قادرين على توفير نظام غذائي يفي حتى بالاحتياجات الأساسية من السعرات والطاقة، أي “نظام غذائي متوازن” بأقل تقدير.
وأشارت إلى أن هذا الوضع يتسبب في استبعاد فئات واسعة من إمكانية شراء البروتينات الحيوانية، مثل اللحوم، التي أصبحت بعيدة عن متناول الغالبية الساحقة من المواطنين
طعامً الأغنياء
حول هذه الكارثة قالت أم عبد الله، سيدة خمسينية تعيش في حي بولاق الدكرور تعمل في تنظيف الملابس،: لم نتناول اللحم منذ عيد الأضحى الماضي مشيرة إلى أن اللحم أصبح طعامًا للأغنياء.
وأضافت أم عبد الله : حين أشتاق إلى مذاق اللحم، أطلب من الجزار قليلاً من الشحم أو الجلد لأضيفه إلى الطعام، فقط ليشعر أبنائي بأن هناك نكهة لحم، لكنها نكهة لا أكثر
الفول والعدس والبيض
وقال السيد ياسين، سائق يعيش في المرج ويعول زوجة وثلاثة أطفال، إن اللحم كان حاضرًا في بيته أسبوعيًا، لكنه اختفى تمامًا خلال العامين الأخيرين .
وأضاف ياسين : كنت أشتري كيلوجرامًا من اللحم كل أسبوع، لأوفر شيئًا من التغذية لأبنائي. أما اليوم، فقد تجاوز سعر الكيلو 400جنيه، وهذا مبلغ لا يمكنني تحمله .
وتابع : نعيش الآن على الفول والعدس والبيض، وأحيانًا يسألني أبنائي: متى نأكل لحمًا؟ فأجيبهم خير بإذن الله.
أرجل الدجاج
وقالت نسرين ع، أرملة وأم لطفلين تعيش في عزبة النخل : لم يدخل اللحم منزلي منذ أكثر من عام مشيرة إلى أنها في المناسبات فقط، قد تتمكن من شراء القليل إذا ساعدها أحد الأقارب .
وأضافت نسرين : أذهب في أوقات متأخرة إلى الأسواق لأشتري أرجل الدجاج بثمن مخفض، أحاول أن أصنع منها شوربة تشعر أطفالي بأننا نأكل بروتين، ولو نفسيًا فقط.
اختفى من حياتنا
وقال الحاج منصور، جزار يعيش في شبرا الخيمة: في السابق، كان الناس يشترون كيلوين أو ثلاثة من اللحم، اليوم، يمرّ الزبائن ليسألوا عن السعر ثم يغادرون.
وأضاف الحاج منصور أحيانًا تطلب مني بعض النساء عظامًا لعمل المرقة، فأعطيهن ما أستطيع دون مقابل، مؤكدا أن البيع تراجع بشكل غير مسبوق، وكأن اللحم اختفى من حياتنا .
ارتفاع الأسعار
فى هذا السياق أكد أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور كريم العمدة، أن تداعيات الأزمة الاقتصادية في مصر انعكست بشكل مباشر على نمط استهلاك المواطنين للغذاء، مشيرًا إلى تراجع واضح في نصيب الفرد من البروتين الحيواني خلال السنوات الأخيرة.
وقال العمدة في تصريحات صحفية : اللحوم الحمراء كانت تسجل أعلى معدلات استهلاك للفرد في عام 2007، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد نحو 13 كيلوجرامًا سنويًا، إلا أن هذا الرقم بدأ في الانخفاض تدريجيًا حتى وصل إلى نحو 7.5 كيلو فقط بحلول عام 2022.
وأشار إلى أن اللحوم البيضاء والأسماك شهدت المسار نفسه، إذ تراجع نصيب الفرد من الدواجن، الذي كان يتراوح بين 14 إلى 16 كيلوجرامًا، كما انخفض استهلاك الأسماك من 23 كيلوجرامًا سنويًا في عامي 2016 و2017 إلى 16 كيلو فقط في 2022.
وأوضح العمدة أن هذا التراجع الحاد مرتبط بارتفاع أسعار تلك السلع الأساسية، ما دفع قطاعًا واسعًا من المواطنين إلى تقليل الكميات المستهلكة أو اللجوء إلى بدائل أقل تكلفة، كالنشويات، لتعويض الفجوة الغذائية متوقعا المزيد من التراجع في استهلاك البروتين الحيواني في ظل استمرار الضغوط الاقتصادية،.
واعتبر أن هذا التراجع لا يُنظر إليه فقط كمؤشر اقتصادي، بل كأزمة صحة عامة ، لما يمثله انخفاض استهلاك البروتين من آثار سلبية على القدرة الجسدية والإنتاجية للمواطن داعيا حكومة الانقلاب إلى تبني خطة متكاملة للحماية الاجتماعية تضمن توفير مصادر البروتين الحيواني بأسعار معقولة .
وشدد العمدة على أهمية التدخل السريع لوقف هذا التآكل في الأمن الغذائي للمصريين.
ميزانية الأسرة
وقالت الباحثة الاقتصادية ميرفانا ماهر، إن الأزمة الاقتصادية لم تؤدِ فقط إلى تغيّر في القدرة الشرائية لدى المصريين، بل فرضت تحولًا جذريًا في سلوك الاستهلاك وإدارة ميزانية الأسرة.
وأضافت ميرفانا ماهر فى تصريحات صحفية : لا يمكننا القول إن الناس توقفت عن الأكل والشرب، فهذه أساسيات، لكنها أعادت ترتيب أولوياتها وهناك تقليل في شراء سلع غير ضرورية، واستبدال كثير من المنتجات المستوردة ببدائل محلية، فضلًا عن التراجع عن بعض أشكال الرفاهية التي كانت متاحة سابقًا.
وأكدت أن الكثير من الأسر تلجأ إلى إعادة هيكلة ميزانيتها بالكامل، سواء من خلال تقليل الإنفاق، أو الاتجاه المتزايد نحو الشراء بالتقسيط، أو الاعتماد الأكبر على الجمعيات الخيرية في توفير بعض الاحتياجات الأساسية، لا سيما في ما يتعلق بالغذاء.
وحذرت ميرفانا ماهر من أن الفجوة بين الدخل والاحتياجات الأساسية مرشحة للاتساع في الفترة المقبلة، مع إعلان حكومة الانقلاب عن زيادات جديدة في أسعار الخدمات والكهرباء والغاز ، بالإضافة إلى استمرار خطط إعادة هيكلة الدعم.
وشددت على أن دخول معظم الأسر، لا سيما ذات الموارد المحدودة، لا تواكب بأي حال من الأحوال وتيرة الارتفاعات المتتالية في الأسعار.