فى الوقت الذى يزعم فيه مصطفى مدبولى رئيس حكومة الانقلاب أن حكومته وضعت خطة لخفض الدين الخارجي إلى أقل من 40% من الناتج المحلي الإجمالي، في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز الاستقرار المالي وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وأن دولة العسكر تنفذ سياسة مالية منضبطة تقوم على ترشيد الاقتراض الخارجي، وربط أي تمويل جديد بمشروعات إنتاجية قادرة على توليد عائد بالعملة الأجنبية، يؤكد الخبراء استحالة تحقيق ما أعلن عنه مدبولى خاصة أن أعباء الديون تصل إلى نحو 45 مليار دولار سنويا وبالتالى ليس لدى حكومة الانقلاب أى فرصة لخفض الديون ، متوقعين تزايد الديون فى السنوات المقبلة إلى أكثر من 200 مليار دولار وفق ما ذهبت إليه عدد من المؤسسات الدولية .
نقطة قاتمة
فى هذا السياق كشف تقرير الديون الدولية الصادر عن البنك الدولي لعام 2025، عن تصاعد قياسي في أصل الديون وفوائدها بالدول النامية، إلى أعلى مستوياتها خلال 50 عاماً، مشدداً على أن مصر أصبحت في التقرير "نقطة قاتمة" توضّح مدى هشاشة الوضع المالي المصري وحجم الخيارات المحدودة لسياستها الاقتصادية.
وكشف التقرير الأممي عن أرقام مفزعة تتعلق بزيادة الدين الخارجي إلى 155 ملياراً و970 مليون دولار بانتهاء العام المالي 2024-2025 في يوليو الماضي، والتي ارتفعت عملياً إلى 161 مليار دولار في أكتوبر2025، ومرشحة للارتفاع إلى 200 مليار دولار بنهاية 2027 .
وأكد أن نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات تبلغ 233%، وأن نسبة خدمة الدين إلى الصادرات بلغت 49%، أي أن ما يقرب من نصف عوائد التصدير، التي تشمل سلعاً أساسية ومنتجات صناعية ومشتقات النفط، تذهب لخدمة الديون الخارجية.
وأوضح تقرير البنك الدولي أن مصر تقف عند واحدة من أكثر نقاطها المالية حساسية خلال عقد كامل، مؤكدا أن عبء الفوائد أصبح خطيراً بعدما صُنّفت مصر ضمن أعلى 5 دول في العالم في نسبة المدفوعات إلى الصادرات، وهو مستوى يفوق الحدود الآمنة التي يعتمدها البنك الدولي، بسبب تراجع القدرة الذاتية للاقتصاد على توليد عملة صعبة، في ظل تباطؤ الصادرات وتراجع إيرادات قناة السويس واعتماد البلاد على تدفقات مالية قصيرة الأجل لا تخلق إنتاجاً حقيقياً.
واعتبر أن هذه الأرقام "المخيفة" مؤشرات تحذيرية، لأن نسبة الدين إلى الصادرات عند 233% تضع مصر ضمن الفئة "الأكثر مديونية" عالمياً، ويمثل أي انخفاض في إيرادات العملة الصعبة خطراً مباشراً على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها.
موقف صعب
من جانبها أكدت الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن أعباء الديون وصلت إلى مستويات خطيرة، مشيرة إلى أن أقساط وفوائد الديون تمثل حوالي 65% من إجمالي الإنفاق العام في موازنة 2024/2025 .
وقالت عالية المهدي فى تصريحات صحفية إن إجمالي الأقساط والفوائد يمثل 142% من إيرادات دولة العسكر العامة، وهو ما يضع حكومة الانقلاب في موقف صعب يدفعها إلى الاستدانة لسد الفجوة، سواء من الداخل أو الخارج.
وأشارت إلى أنها لا تطالب بوقف الاقتراض تمامًا، مشددة على ضرورة تقليله بشكل كبير، بحيث ينخفض من مستويات 12–15 مليار دولار سنويًا إلى حدود 5 أو 6 مليارات فقط، لتخفيف الضغط على الموازنة العامة .
وحذرت عالية المهدي من أن استمرار الاقتراض الخارجي بنفس الوتيرة سيؤدي إلى استمرار الضغط المالي على دولة العسكر ، مؤكدة أن أي قرض يجب أن يُوجه إلى مجالات قادرة على السداد وتحقيق عائد حقيقي، لضمان عدم تكرار الأزمات المالية.
استراتيجيات مستدامة
وأوضحت أن ارتفاع أعباء الديون يؤثر بشكل مباشر على قدرة حكومة الانقلاب على تمويل الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم والبنية التحتية، حيث تلتهم الأقساط والفوائد نسبة كبيرة من الموازنة، ما يحد من القدرة على تمويل المشروعات التنموية، وأن الموازنة الحالية تفرض تحديات كبيرة، خاصة في ظل الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية شاملة، تتضمن ضبط الإنفاق العام، وتحسين كفاءة الاستثمارات، مع التركيز على القطاعات التي تحقق عائدًا اقتصاديًا ملموسًا.
وشددت عالية المهدي، على أهمية اعتماد استراتيجيات مالية مستدامة، تشمل خفض مستويات الاقتراض، وزيادة الإيرادات المحلية، وتحسين إدارة الموارد المالية، لضمان استقرار الاقتصاد المصري على المدى الطويل .
وقالت إن الاستمرار في الاقتراض بلا ضوابط قد يؤدي إلى أزمات متكررة، ويزيد من تكلفة الدين العام، مما يضعف قدرة دولة العسكر على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية وتحقيق النمو المستدام.
وطالبت عالية المهدي، بمراجعة السياسات الاقتصادية والمالية لدولة العسكر بشكل دوري، لضمان أن تكون أعباء الديون تحت السيطرة، وأن يُستغل الاقتراض في مشروعات إنتاجية ترفع العائد الاقتصادي وتساهم في تحقيق التنمية الشاملة، بعيدًا عن الاستخدامات الاستهلاكية أو غير المنتجة.
ضغوط كبيرة
قال خبير التمويل والاستثمار أحمد خزيم إن تكلفة الدين تفرض ضغوطاً كبيرة على الإنفاق العام، الذي بدا واضحاً على قطاعي التعليم والصحة، فأصابته بالضعف الشديد. وزاد الطين بلة أن حكومة الانقلاب اتجهت إلى خصخصة تلك الخدمات التي يجب توفيرها بالمجان لجميع المواطنين باعتبارها حقاً دستورياً .
وأوضح خزيم فى تصريحات صحفية أنه رغم محاولة حكومة الانقلاب الحفاظ على الاستقرار المالي في الآونة الأخيرة، فإن مستوى الديون يرتفع، كما أن خدمة الدين أصبحت تمثل جزءاً كبيراً من الميزانية العامة، لأن الدين لا يرتبط فقط بالمبالغ المستحقة، بل يشمل فوائد كبيرة على الديون الخارجية قصيرة الأجل والطويلة، ويستهلك موارد دولة العسكر المخصصة للإيرادات المحلية والاحتياجات الأساسية.
وشدد على ضرورة وجود إدارة ذكية للديون تشمل إعادة هيكلة آجال السداد وتقليل الاعتماد على أدوات التمويل المكلفة وتحسين الموارد المحلية والخارجية وتخفيف المخاطر المستقبلية.
