لماذا تُعيد القاهرة فتح ملف «كامب ديفيد» رغم دفء العلاقات مع تل أبيب؟

- ‎فيتقارير

لماذا تُعيد القاهرة فتح ملف «كامب ديفيد» رغم دفء العلاقات مع تل أبيب؟

كشفت منصة «ناتسيف» الإخبارية الإسرائيلية عن توجه مصري لإعادة تقييم وتعديل اتفاق السلام الموقع مع دولة الاحتلال عام 1979، في خطوة تعكس تحولات أعمق في الحسابات الاستراتيجية للقاهرة، رغم ما وُصف طوال السنوات الماضية بـ«العلاقات الحميمة» بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقيادة الإسرائيلية.

ويأتي هذا التطور في توقيت بالغ الحساسية، بالتزامن مع تقارير عن زيارة محتملة للسيسي إلى واشنطن، وسط نفي مصادر مطلعة وجود نية للقاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال الزيارة، وهو ما اعتبرته المنصة مؤشرا إضافيا على اتساع فجوة الخلافات السياسية والأمنية بين الطرفين.

اختلال التوازن الأمني

بحسب «ناتسيف»، رصدت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خلال الفترة الأخيرة نشر الجيش المصري أنظمة دفاع جوي متطورة في شبه جزيرة سيناء، من بينها منظومة HQ-9B الصينية، في خطوة وصفتها المنصة بأنها «انتهاك صارخ» للقيود العسكرية المنصوص عليها في اتفاق السلام، والتي تحدد بدقة حجم ونوعية الوجود العسكري المصري في المنطقة.

وتبرر القاهرة هذه الإجراءات بالحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وحماية مجالها الجوي في شمال سيناء، في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية وانفلات التوازنات الأمنية، حتى لو تعارض ذلك مع الالتزامات التاريخية لاتفاق «كامب ديفيد».
غير أن القراءة الإسرائيلية، وفق التقرير، ترى في هذه التحركات ما هو أبعد من مجرد إجراءات دفاعية، معتبرة أن ما يجري يمثل إعادة صياغة تدريجية لقواعد اللعبة، وفرض أمر واقع جديد على الأرض، دون أن تواجه القاهرة ردعًا حقيقيًا من تل أبيب أو ضغوطًا جدية من الإدارة الأمريكية.

دفء سياسي… وبرود استراتيجي

وتلفت «ناتسيف» إلى أن ما تصفه بـ«التصعيد العسكري المصري» ليس تطورا مفاجئا، بل مسارًا ممتدًا منذ سنوات، جرى التعامل معه إسرائيليًا بقدر كبير من التجاهل، في ظل انشغال القيادات السياسية في تل أبيب بما تسميه المنصة «البقاء السياسي الشخصي»، على حساب معالجة التحديات الاستراتيجية طويلة المدى.
هذا التناقض بين متانة التنسيق السياسي والأمني من جهة، وتآكل الضوابط الاستراتيجية للاتفاق من جهة أخرى، يطرح تساؤلا جوهريا: لماذا تُقدِم القاهرة على هذه الخطوة رغم العلاقات الوثيقة مع إسرائيل؟
الإجابة، كما يوحي التقرير، تكمن في إدراك النظام المصري أن ميزان القوة الإقليمي لم يعد كما كان، وأن إسرائيل، المنشغلة بأزماتها الداخلية وحروبها المفتوحة، أقل قدرة على فرض خطوط حمراء، فيما تبدو واشنطن أكثر تساهلا في إدارة الخروقات المصرية للاتفاق.
تحذيرات إسرائيلية متأخرة
وفي ختام تقريرها، وجهت «ناتسيف» تحذيرا مباشرا لصناع القرار في دولة الاحتلال، معتبرة أن أي موافقة إسرائيلية على تعديل اتفاق السلام ستفتح الباب لمطالبات مصرية إضافية مستقبلا. وقالت: «في اليوم التالي لأي تعديل، ستعود مصر لخرق الاتفاق مجددًا، مطالبة بمزيد من التغييرات».
كما تبنت المنصة خطابا استعلائيا تقليديا، زاعمة أن «العرب ينظرون إلى الاتفاقات باعتبارها نقطة انطلاق لانتزاع ما لم يتمكنوا من تحقيقه عبر المفاوضات»، في تعبير يعكس قلقًا إسرائيليًا متزايدًا من تآكل أحد أهم مرتكزات أمنها الاستراتيجي.

صفقة الغاز… وسؤال الجدوى
وطرحت «ناتسيف» تساؤلا ساخرا حول توقيت إبرام صفقة الغاز الضخمة مع مصر، معتبرة أنها لم تكن مبررة من الأساس، قبل أن تختتم بنبرة نقدية حادة للقيادة الإسرائيلية: «لكن من يسألنا؟ نحن مجرد تابع أمريكي يرقص على إيقاع سادته».
وخلص التقرير إلى أن الأولوية الحقيقية لدى النخبة الحاكمة في تل أبيب اليوم لا تتعلق بالأمن القومي أو ثوابت الدولة، بل بـ«الاستمرار في السلطة بأي ثمن»، حتى وإن كان ذلك على حساب اتفاق السلام الذي طالما قُدِّم باعتباره حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي.