انتهاكات الاحتلال الصهيونى وممارساته الإجرامية لم تترك أحدا من الفلسطينيين طوال حرب الإبادة التى شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة والتى لم تقتصر على تدمير القطاع وقتل أبنائه ومنع دخول المساعدات والمستلزمات الطبية والوقود بل امتدت هذه الجرائم إلى ما وراء الجدران المغلقة لمراكز الاحتجاز الصهيونية ، حيث تتكشف روايات مروّعة عن التعذيب وسوء المعاملة والقتل البطيء.
ودفعت شهادات معتقلين سابقين، مدعومة بتقارير حقوقية صهيونية ودولية، كثيرين إلى إطلاق وصف "جوانتانامو إسرائيل" على هذه السجون، في تشبيه يعكس حجم الانتهاكات وطابعها الممنهج، لا بوصفها تجاوزات فردية بل كمنظومة قائمة بذاتها، وفقًا لما نشرته مجلة دير شبيجل الألمانية.
حسين الزويدي
وتختصر قصة حسين الزويدي هذا الواقع القاسي. كان يوم السابع من أكتوبر 2023 موعد زفافه، وقد دعا الآلاف وتهيأ لبدء حياة جديدة. لكن الحرب قلبت المشهد رأسًا على عقب؛ فاضطر للنزوح مع عائلته من شمال غزة إلى مدرسة في جباليا، قبل أن تعتقله قوات الاحتلال لاحقًا.
أمضى الزويدي نحو 22 شهرًا متنقلًا بين معسكرات وسجون، ليخرج في نهاية المطاف إنسانًا آخر، مثقلًا بالصدمة والخوف والكوابيس.
يروي الزويدي أن أول محطة له كانت معسكر «سديه تيمان» العسكري، الذي بات يُعرف على نطاق واسع بأنه القلب الصلب لـ«جوانتانامو إسرائيل». هناك، وُضع مع عشرات الأسرى مكبّل اليدين، معصوب العينين، ممنوعين من الكلام أو النوم إلا لساعات محدودة.
وأشار إلى أن الضرب كان روتينًا يوميًا، والطعام لا يتجاوز كسرة خبز وملعقة صغيرة من طعام معلب، أما استخدام المرحاض فكان امتيازًا نادرًا. في البرد القارس، دون أغطية كافية أو علاج طبي، تحوّل الجسد إلى ساحة أخرى للعقاب.
تجويع متعمّد
يشار إلى أن رواية الزويدي ليست استثناءً. فمئات الفلسطينيين الذين أُفرج عنهم ضمن صفقات تبادل خلال الأشهر الماضية قدّموا شهادات متطابقة: تجويع متعمّد، أوضاع احتجاز مهينة، عنف جسدي ونفسي، وحرمان طويل من الرعاية الطبية.
معظم هؤلاء اعتُقلوا دون توجيه تهم واضحة، تحت تصنيفات فضفاضة تتيح احتجازهم إلى أجل غير مسمى.
إهمال طبي جسيم
وكشفت تقارير حقوقية عن بعد أكثر خطورة. فقد وثّقت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" الصهيونية وفاة ما لا يقل عن 98 معتقلًا فلسطينيًا داخل السجون منذ بدء الحرب، أكثر من نصفهم في معسكر "سديه تيمان"
واعترفت المنظمة بأن العديد من هذه الوفيات ارتبطت بإهمال طبي جسيم أو آثار عنف مباشر، فيما ترفض سلطات الاحتلال الكشف عن أسباب الوفاة أو تسليم تقارير طبية مفصلة لعائلات الضحايا.
فيما أكدت منظمات أن التعذيب بات أداة معتمدة ضمن سياسة رسمية مشيرة إلى أن الانتهاكات تبدأ منذ لحظة الاعتقال، مرورًا بالتحقيق، ولا تنتهي داخل السجن. كما يُحرم المعتقلون لفترات طويلة من مقابلة محامين أو تلقي علاج مناسب، فيما مُنعت جهات دولية، بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من الوصول المنتظم إلى مراكز الاحتجاز.
ورغم فداحة هذه الوقائع، فإن الجدل داخل دولة الاحتلال لا يتركز على الانتهاكات نفسها، بل على من يجرؤ على كشفها.
ثقافة سياسية
وكشفت تسريبات مصوّرة اعتداءات على أسرى فلسطينيين أثارت عاصفة سياسية، لكن النقاش العام انشغل بهوية المسرّب أكثر من مضمون المشاهد. بل وصل الأمر إلى خروج تظاهرات يمينية تطالب بالإفراج عن جنود متهمين بالتعذيب، واعتبار محاسبتهم خيانة أو تشويهًا للجيش الصهيونى.
في هذا السياق، تبدو العدالة غائبة أو مؤجلة. فعلى مدار عامين من الحرب، لم تُسجَّل سوى إدانة واحدة لجندي صهيونى في قضية تتعلق بإساءة معاملة أسرى، بعقوبة وُصفت بأنها مخففة.
من جانبهم، رأى خبراء قانون دولي أن هذا الواقع ناتج عن ثقافة سياسية تُقدّس المؤسسة العسكرية، وتغذّي خطاب نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، ما يجعل الانتهاكات أمرًا مفهومًا أو مبررًا لدى قطاعات واسعة من المجتمع.
وتتقاطع الشهادات والتقارير عند حقيقة واضحة ومقلقة مؤداها أن ما يجري داخل سجون الاحتلال، أو ما بات يعرف بـجوانتانامو إسرائيل، ليس حوادث فردية، بل نمط ممنهج من الانتهاكات الجسيمة. وفي ظل التجاهل أو التبرير الداخلي، تتجه الأنظار أكثر فأكثر إلى التحقيقات الدولية، باعتبارها المسار الأخير الممكن لكشف الحقيقة ومساءلة المسئولين الصهاينة عن منظومة حوّلت الاعتقال إلى عقاب، والسجون إلى مناطق خارج القانون.
