بينما تبقى عسكرة الاقتصاد “خطاً أحمر”.. الحكومة تنفّذ تعليمات صندوق النقد وإملاءاته تُطبَّق على المواطن

- ‎فيتقارير

 

بدأت في القاهرة واحدة من أكثر جولات التفاوض حساسية بين حكومة الانقلاب وبعثة صندوق النقد الدولي، في ظل أزمة اقتصادية خانقة يحمّل مواطنون وخبراء مسئوليتها لقرارات السلطة وآليات إدارتها للاقتصاد خلال السنوات الأخيرة.

ووصل وفد فني رفيع من الصندوق، في زيارة ترقبها الأسواق بحذر شديد، إذ جاءت بعد خمسة أشهر من تعطّل المراجعتين الخامسة والسادسة لاتفاق القرض الذي حصلت عليه الحكومة بقيمة 8 مليارات دولار.

 

إملاءات تُطبَّق على المواطن… لا على العسكر

 

وبينما تؤكد التجربة أن الحكومة تنفّذ تعليمات الصندوق المتعلقة بالمواطنين بدقة كاملة —من زيادة الضرائب، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتخفيض الدعم، ورفع أسعار الطاقة والخدمات— يؤكّد خبراء أن النظام يتجنّب تماماً أي مساس بدور الجيش الاقتصادي، رغم أن الصندوق يشترط تقليص دور الدولة وتحجيم توسّع “الجهات السيادية” في السيطرة على قطاعات الاقتصاد.

ويشير مراقبون إلى أن سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد تحوّلت إلى “منطقة محرّمة” لا يقترب منها السيسي، الذي—بحسب معارضين—يعتمد على استمرار هذه الامتيازات لضمان بقاء نظامه، رغم الضغوط الكارثية التي يتحملها المواطن وحده.

 

الصندوق: تباطؤ في بيع الأصول وغياب مشاركة القطاع الخاص

 

تعتبر بعثة الصندوق أن الحكومة تتباطأ في إجراءات خصخصة الشركات العامة وبيع الأصول، ولا تزال تعرقل دخول القطاع الخاص وتحرير السوق، بينما تروّج الحكومة لتحريك محدود يجري وفق “اعتبارات وتوقيتات محلية”.

ويستهدف الوفد التوصل إلى اتفاق قبل 12 ديسمبر يسمح بصرف شريحتين قيمتهما 2.7 مليار دولار، إضافة إلى 274 مليون دولار من برنامج “الصلابة والاستدامة”. لكن خبراء يؤكدون أن الصندوق لن يفرج عن أي دفعات جديدة دون ضمانات واضحة تتعلق بتصفية الدور الاقتصادي لمؤسسات الدولة، وهو ما يبدو أن النظام غير مستعد لتنفيذه.

 

مفاوضات مكثفة… وضغوط على الفقراء والطبقة المتوسطة

 

تجري مفاوضات الوفد مع الحكومة وقيادات البنك المركزي وهيئة قناة السويس وصندوق مصر السيادي. وتتركّز المطالب حول:

 

إلغاء دعم المحروقات والطاقة.

 

مرونة كاملة لسعر الصرف.

 

توسيع مشاركة القطاع الخاص.

 

تسريع برنامج الطروحات.

 

ضبط السيولة الدولارية.

 

ويرى الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن النقاش يدور أيضاً حول خفض الدين العام وتوسيع القاعدة الضريبية، مؤكداً أن المواطن—وخاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة—يدفع ثمن تراجع الجنيه وارتفاع تكاليف الإنتاج والطاقة، بينما لا تنعكس السياسات على تحسين أوضاعه.

 

بيع الأصول “بأي سعر” لجذب الدولار

 

يشدد الصندوق على بيع الشركات العامة “بأي سعر” لتوفير سيولة دولارية تدعم الاحتياطي، رغم تحذيرات من فقدان المصريين لأصول استراتيجية تُطرح بأقل من قيمتها الحقيقية.

ومع ذلك، فشلت طروحات كبيرة مثل “البنك المتحد” في جذب المستثمرين أو تحريك السوق، في مؤشر على ركود اقتصادي عميق.

 

ديون تتضخم… وجنيه ينهار

 

تؤكد البيانات الرسمية أن الحكومة توسّعت بشكل هائل في الاقتراض، الداخلي والخارجي، ما أدى إلى:

 

فقدان الجنيه أكثر من 80% من قيمته منذ 2016.

 

موجات متتابعة لرفع أسعار الكهرباء والوقود.

 

تدهور الخدمات العامة.

 

وتحذّر دراسات صندوق النقد من أن مصر من أكثر الدول تعرضاً لفقاعة الديون الخارجية، بعد أن تجاوز الدين 83% من الناتج المحلي، وسط اقتصاد هش يعتمد على مصادر متذبذبة مثل قناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج.

 

الملف الحقيقي: هوية الاقتصاد… ومن يحكمه؟

 

يرى خبراء أن الخلاف بين الحكومة والصندوق لم يعد فنياً أو مالياً فقط، بل بات صراعاً على “هوية الاقتصاد المصري”:

 

الصندوق يريد اقتصاداً رأسمالياً مفتوحاً تديره السوق.

 

بينما يحافظ النظام على اقتصاد تهيمن عليه الدولة، وتحديداً المؤسسة العسكرية التي أصبحت لاعباً يملك اليد العليا في قطاعات الادوية والبنية التحتية والإنشاءات والزراعة والخدمات واللوجستيات.

 

ويقول معارضون إن السيسي لا يجرؤ على الاقتراب من هذه الامبراطوريات الاقتصادية التي تتضخم بصورة غير مسبوقة، بينما يتحمل المواطن وحده فاتورة “الإصلاح الاقتصادي”، من جيبه ومن مستوى معيشته.