اعتقال صانعي “الأكيلانس”… لماذا يُسجن من يفتّش عن تلوّث المياه بينما تحتمي الشركات بعباءة الجيش والنظام؟

- ‎فيتقارير

في خطوة أثارت موجة غضب واسعة، اعتقلت وزارة الداخلية  بحكومة الانقلاب صُنّاع المحتوى ببرنامج "الأكيلانس" بعد نشر حلقة كشفت وجود آثار مخلفات بشرية في عينات من مياه معدنية تباع على نطاق واسع داخل الأسواق المصرية. الحلقة، التي حصدت مشاهدات ضخمة خلال ساعات، فتحت باباً خطيراً على فساد منظومة المياه المعبأة في مصر، وقادت بالمقابل إلى اعتقال من كشف المشكلة وليس من تسبب فيها.

 

التلوث ممنوع الاقتراب منه… لأنه “مملوك”

 

مصادر في قطاع المياه أكدت فى تصريحات صحفية" وغيرها من المنصات، أن جزءًا كبيرًا من شركات المياه المعبأة في مصر مملوك مباشرة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، أو لشخصيات اقتصادية محسوبة على السلطة، وهو ما يفسّر – بحسب خبراء – سرعة القبض على من يقترب من هذا الملف.

 

ويعتبر مراقبون أن تغييب الرقابة المستقلة، وهيمنة جهات سيادية على قطاعات استراتيجية مثل المياه، يجعل أي تحقيق في الجودة "عملاً عدائياً" في نظر الدولة، مهما كانت المعلومات صحيحة أو خطيرة على الصحة العامة.

 

بيان الداخلية: اتهامات جاهزة… بلا رد على جوهر الفضيحة

 

وزارة الداخلية قالت في بيانها إن صانعي المحتوى "نشروا معلومات غير دقيقة تثير البلبلة وتضر بالاقتصاد الوطني".

لكن البيان – كعادة معظم بيانات السلطة – لم يرد ولو بسطر واحد على الاتهامات العلمية بشأن تلوّث المياه أو وجود تسرب من شبكات الصرف الصحي إلى بعض مصادر التعبئة.

https://www.facebook.com/Arabi21News/posts/1280759907410077?ref=embed_post

أحد خبراء الصحة العامة قال لنا إن تجاهل أصل القضية والتركيز على صانعي المحتوى يؤكد أن النظام لا يريد فتح الملف من الأساس، لأنه قد يطال شركات ذات حصانة سياسية واقتصادية.

 

الحلقة التي فجّرت الغضب

 

"الأكيلانس" قدّم في حلقته الأخيرة تجارب تحليلية مبسّطة لعدد من العلامات التجارية، وأكد القائمون عليها وجود عينات غير مطابقة للمواصفات، وتحوي آثار تلوث ناتج عن اختلاط المياه الجوفية بمصادر صرف صحي.

 

الحلقة لم تترك مجالاً للالتباس… لكن الدولة تركت كل شيء وذهبت مباشرة إلى اعتقال من عرض النتائج.

 

الشركات تلتزم الصمت… والرقابة “ديكور”

 

حتى لحظة كتابة هذا التحقيق، لم تصدر الشركات المنتجة أي بيان توضيحي أو تفنيد علمي.

مصادر داخل القطاع قالت إن شركات المياه تعتمد على "رقابة دورية" من وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء وجهاز حماية المستهلك… لكن هذه الأجهزة جميعها تتبع السلطة نفسها، ولا تملك صلاحية محاسبة شركات تابعة للجيش.

 

ويشير خبراء إلى أن غياب الشفافية واحتكار المؤسسة العسكرية للقطاعات الحيوية جعل من الرقابة "مجرد ملصقات على الورق".

 

رواد التواصل: “سجنوا اللي كشف الفساد… واللي سبّب التلوث لسه بيملا الزجاجات”

 

منذ لحظة الإعلان عن الاعتقال، سادت مواقع التواصل موجة غضب واسعة. من أبرز التعليقات التي رصدناها:

 

"المياه ملوثة… يعتقلوا اللي قال الحقيقة، مش اللي بوّظ المياه!"

 

"طبيعي.. شركات الجيش خط أحمر"

 

"مصادرة الحقيقة باسم الاقتصاد الوطني!"

 

"يا ريتهم يعتقلوا البكتيريا بنفس السرعة"

 

"شغل الرقابة في مصر: طبطبة على الفاسدين… وقمع للّي بيفضحهم"

 

وبدت ردود الفعل موحدة في السؤال نفسه: لماذا لا يتم فحص الشركات بدل اعتقال المبلّغين؟

 

قمع ممنهج للمحتوى الرقابي

 

هذه ليست الحادثة الأولى؛ فالداخلية سبق أن اعتقلت خلال الشهور الماضية صُنّاع محتوى بدعوى “نشر شائعات” أو “الإضرار بالاقتصاد”.

لكن الملف الحالي مختلف لأنه يتعلق بصحة ملايين المصريين، وليس مجرد نقد اقتصادي أو اجتماعي.

 

وتقول منظمات حقوقية إن نظام السيسي يستخدم "شماعة الأمن القومي والاقتصاد الوطني" لقمع أي محتوى رقابي حقيقي، خاصة عندما يقترب من مصالح تجارية أو صناعية مرتبطة بالجيش.

 

خبراء: القضية أكبر من فيديو… إنها قضية “ملكية”

 

خبير اقتصادي قال لنا إن قطاع المياه المعبأة في مصر من أكثر القطاعات ربحاً، وإن جزءاً كبيراً منه "مغلق أمام المستثمرين العاديين"، ويهيمن عليه فاعلون محميون سياسياً، وهو ما يجعل فتح ملف الجودة تهديداً مباشراً للمصالح العليا للنظام لا للمواطنين.

 

أما خبير بيئي، فاعتبر أن الأعراض الصحية لتلوث المياه تظهر بصمت على المدى الطويل، وأن "رد الحكومة يعكس خوفاً من فتح باب تحقيقات يمكن أن تكشف شبكة واسعة من الإهمال والفساد".

 

إلى أين تتجه القضية؟

 

من المتوقع إحالة صانعي "الأكيلانس" للنيابة العامة بتهم معتادة:

“نشر أخبار كاذبة – إثارة البلبلة – الإضرار بالأمن الاقتصادي”.

لكن حتى اللحظة لم تكشف الداخلية تفاصيل الاتهامات أو نتائج الفحوص الرسمية، ما يعزز الشكوك بأن الهدف هو إسكات الحلقة، لا حماية صحة المواطنين.

 

ومع اتساع الغضب واختفاء الشفافية، يبقى السؤال:

هل سيُحاسب من لوّث المياه؟ أم سيظل العقاب فقط لمن يجرؤ على كشف الحقيقة؟