في الوقت الذي تُواصل فيه حكومة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي سياسة بيع الأراضي والأصول الحيوية للمستثمرين والصناديق الخليجية، بزعم جذب الاستثمارات وتوفير العملة الصعبة، تكشف الأرقام الرسمية أن أزمة الدين الخارجي تتفاقم بوتيرة غير مسبوقة، ما يؤكد أن عوائد تلك الصفقات لا تدخل خزينة الدولة فعليًا، بل تُستخدم لإطالة عمر النظام وتمويل شبكة مصالح ضيقة تُراكم الثروات في أيدي العصابة الحاكمة.
نهب ممنهج وديون تتضخم
بحسب آخر بيانات البنك المركزي المصري، ارتفع الدين الخارجي إلى 161.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر/ أيلول 2025، بزيادة ضخمة تفوق 300% عن مستواه قبل عشر سنوات. كما ارتفعت تقديرات خدمة الدين الخارجي لعام 2026 إلى أكثر من 29 مليار دولار، تشمل نحو 24 مليار دولار أقساطًا و5.4 مليار دولار فوائد، وهو ما يعني أن مصر تدفع من أموال الضرائب والقروض الجديدة ثمن القروض القديمة، في حلقة مفرغة من الاستدانة لا تنتهي.
وفي حين تبيع الحكومة الأراضي الاستراتيجية على ضفاف النيل، والساحل الشمالي، والبحر الأحمر، وتُبرم صفقات بمليارات الدولارات مع مستثمرين خليجيين، إلا أن تلك الأموال لا تنعكس على معيشة المصريين، ولا تُسهم في خفض الدين أو تحسين الخدمات، بل تتبخر بين جيوب كبار المسئولين وشركات الجيش وأذرع النظام المالية.
الضرائب تموّل القصر
تقرير وزارة المالية الصادر مطلع نوفمبر الجاري، كشف أن فوائد الديون التهمت كل إيرادات الدولة خلال الربع الأول من العام المالي 2025/2026، بل تجاوزتها بنحو 50 مليار جنيه، في سابقة هي الأولى من نوعها.
ورغم ارتفاع حصيلة الضرائب بنسبة 37% إلى 566 مليار جنيه، فإنها ذهبت كلها لخدمة الدين، دون أي تحسن في الخدمات أو الأجور، ما يعني أن المواطن المطحون بالضرائب هو من يسدد ديون السيسي لا الدولة.
الأدهى أن النظام بات يعتمد في موازنته على الجباية والرسوم والغرامات التي تُفرض على المواطنين في الداخل والخارج، لتعويض نزيف القروض وعجز الموازنة. وفي المقابل، تتوسع السلطة في منح الأراضي والمشروعات الحيوية للجهات العسكرية والمستثمرين الخليجيين، دون رقابة أو شفافية.
بيع الوطن باسم الاستثمار
منذ صفقة رأس الحكمة مع الإمارات مطلع 2024، تتوالى عمليات بيع الأراضي المصرية كأنها غنائم حرب. فصفقة "سملا وعلم الروم" الأخيرة مع شركة الديار القطرية بلغت قيمتها 29.7 مليار دولار، تُمنح مصر منها 3.5 مليارات فقط نقدًا، في حين لا تُعرف مصائر باقي العوائد.
كما باع النظام "أرض المعارض" بمدينة نصر لتحالف سعودي–إماراتي بـ700 مليون دولار، وخصص مساحات شاسعة على البحر الأحمر لمستثمرين آخرين، فيما تستعد الحكومة لطرح أراضٍ جديدة على ضفاف النيل.
ورغم هذا السيل من الصفقات، لم ينخفض الدين، ولم يتحسن الاحتياطي النقدي، ولم يشعر المواطن بأي أثر إيجابي. بل تغرق البلاد أكثر في مستنقع الديون والغلاء، فيما تتكدس الثروات في حسابات السلطة وأجهزتها السيادية.
من الإفراط إلى الإدمان
الخبير الاقتصادي أحمد البهائي يؤكد أن النظام "أدمن الاقتراض"، واستخدم القروض لتمويل إنفاق استهلاكي ومشروعات استعراضية عديمة الإنتاجية، مثل العاصمة الإدارية، لا تُدر أي عائد حقيقي.
ويضيف أن مصر أصبحت تقترض لتسديد القروض السابقة، في غياب أي خطة تنمية حقيقية، ما جعل الاقتصاد "رهينة للمديونية" وللمؤسسات الدولية.
كما أوضح أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي تجاوزت 44.5%، وهي نسبة مقلقة لدولة لا تملك قاعدة إنتاجية متينة ولا صادرات كافية. بل إن نسبة الدين إلى الصادرات تجاوزت 450%، أي أن مصر مدينة بأكثر من أربعة أضعاف ما تصدره من سلع وخدمات، ما يجعلها عاجزة عن سداد التزاماتها دون اقتراض جديد.
اقتصاد العصابة.. وشعب يدفع الثمن
المحصلة، كما يرى اقتصاديون، أن نظام السيسي يحكم بسياسات مالية تقوم على النهب المنظم:
يبيع الأصول العامة باسم الاستثمار.
يقترض بلا توقف لتغطية فشل إدارته.
يثقل كاهل المصريين بالضرائب.
ويحوّل موارد الدولة إلى مؤسسات الجيش وأجهزة المخابرات.
أما النتيجة فهي بلد مفلس اقتصاديًا، مثقل بالديون، غارق في الفقر، فيما تنعم نخبة ضيقة بالسلطة والثروة، تحت حماية أجهزة الأمن والرقابة المشددة على كل صوت ناقد.
هكذا، بينما يروّج النظام لرواية "الإصلاح الاقتصادي"، تكشف الأرقام أنه يبيع ما تبقى من مصر لتسديد فاتورة بقائه في الحكم، وأن كل قرض جديد أو صفقة أراضٍ ليست سوى مسكنٍ مؤقتٍ على جسد وطنٍ يُنهك كل يوم أكثر.
الأرقام الصادمة لحجم الدين الخارجي
تكشف الأرقام الصادمة لحجم الدين الخارجي، رغم موجة بيع الأراضي والأصول العامة، أن ما يجري في مصر ليس "إصلاحًا اقتصاديًا" كما تزعم السلطة، بل عملية نهب منظّمة لثروات البلاد تُدار بأوامر رأس النظام لصالح شبكته الضيقة من المنتفعين والمقرّبين. فكل دولار يدخل من بيع أرض أو مرفق عام لا يذهب إلى خفض الدين أو تحسين حياة المواطنين، بل يتبخر داخل شبكة فساد عميقة تغذي القصور والمشروعات الدعائية والعسكرية، بينما تتضخم الفاتورة على الشعب بالضرائب والجباية ورفع الأسعار.
لقد تحوّلت سياسة "الطروحات" إلى بوابة للارتهان الكامل، ليس فقط اقتصاديًا عبر سيطرة الصناديق الخليجية على الأصول الحيوية من الساحل الشمالي إلى البحر الأحمر، بل سياسيًا أيضًا، بعدما أصبحت القاهرة مرتهنة لرضا الدائنين والممولين، تفقد استقلال قرارها يوما بعد يوم. وهكذا، لا يبدو أن بيع الأرض قد أغنى النظام، بل كشف جوهره: نظام يفرّط في مقدرات الوطن ليبقى جالسًا على أنقاضه.
