لم يعد الفساد في مصر «للركب» كما كان يُقال في العقود الماضية، بل تجاوز الرأس إلى الحلقوم، بعد أن التهمت منظومة السيسي كل ما يمكن نهبه من أموال القروض والمعونات والمشروعات الوهمية التي أرهقت المصريين.
فبينما خرج المنقلب عبد الفتاح السيسي في ذكرى انتصار أكتوبر يبرر رفع أسعار الوقود بزعم “وقف الاقتراض”، يتساءل المصريون:
أين ذهبت المليارات التي تدفقت على مصر منذ انقلابه؟
وأين حصيلة بيع أصول الدولة والضرائب ورفع الدعم؟
وكيف ينفق النظام على “عاصمة الخيبة والندامة” – كما يسميها المصريون – العاصمة الإدارية، ومشروعات العلمين وتفريعة قناة السويس التي أفلست البلاد، بينما يستمر مسلسل الفساد بلا رادع؟
من الواضح أن القدوة في هذا العهد ليست إلا عصابة العسكر، التي جعلت من النهب والسمسرة في القروض والسلاح أسلوب حكم. فحين يشتري السيسي أسلحة بمئات المليارات لا لحماية الوطن بل لضمان عمولاته وولاء الموردين، فليس غريبًا أن يتحول الفساد إلى ثقافة تمتد إلى أصغر موظف في مؤسسة الدولة، بل إلى البنوك نفسها التي لم تعد آمنة على أموال المصريين.
فضيحة جديدة بالبنك الأهلي: مدير فرع وموظفون ينهبون أموال العملاء.
كشفت نيابة الأموال العامة العليا عن واحدة من أكبر قضايا الفساد المصرفي في تاريخ البنوك الحكومية، إذ أحالت مدير فرع بالبنك الأهلي المصري وموظفين اثنين إلى المحاكمة الجنائية، بتهمة الاستيلاء على عشرات الملايين من أموال العملاء، عبر مخطط مصرفي احتيالي استخدم فيه المتهمون طلبات مزورة للسحب والتحويل النقدي، وتلاعبوا في النظام الإلكتروني للبنك لإخفاء آثار الجريمة.
القضية التي حملت رقم 51 لسنة 2025 أموال عامة عليا، ضمت تسعة متهمين، سبعة منهم هاربون، بعد ثبوت تورطهم في شبكة تزوير مصرفي متكاملة استهدفت حسابات عملاء البنك الأهلي المصري.
تزوير وتلاعب بالنظام الإلكتروني
التحقيقات كشفت أن المتهمين الرئيسيين – مدير فرع الوراق ومراقبة خدمة العملاء بفرع نجيب محفوظ – استغلا سلطاتهما الوظيفية وقدما طلبات سحب وتحويل نقدي مزورة نُسبت زورًا إلى عملاء البنك، لتظهر كأنها عمليات شرعية نفذها أصحاب الحسابات.
ولم يكتفيا بذلك، بل تلاعبا في النظام الإلكتروني للبنك لتغطية آثار الجريمة وإظهار العمليات كأنها تمت بموافقة العملاء، في جريمة مزدوجة من التزوير الورقي والإلكتروني.
كما تبين أن المتهمين حوّلا الأموال المنهوبة إلى حسابات تابعة لمتواطئين آخرين داخل وخارج البنك، استخدموها كواجهة لإخفاء مصدر الأموال قبل سحبها نقدًا وتقسيمها فيما بينهم.
عصابة منظمة داخل مؤسسة الدولة
وتبيّن من التحقيقات أن الجريمة لم تكن تصرفًا فرديًا، بل عملية منظمة شارك فيها موظفون من داخل البنك وأشخاص من خارجه، من بينهم موظفة بالبنك الأهلي زوّدت المتهمين بطلبات سحب نقدي ووقعت عليها بتوقيعات مزورة منسوبة للعملاء، ثم تولت صرف الأموال وتسليمها لشركائها.
كما أثبتت النيابة أن باقي المتهمين، ومعظمهم من عائلة واحدة، قدّموا بيانات حساباتهم لاستخدامها كغطاء لتمرير التحويلات وصرفها نقدًا، لإخفاء معالم الجريمة وإضفاء مظهر قانوني عليها.
أدلة قاطعة وفساد بلا سقف
اعتمد قرار الإحالة على تقارير فنية ومصرفية دقيقة أكدت وجود عمليات تزوير ممنهجة في النظام الإلكتروني للبنك، واستغلال سافر للسلطة الوظيفية في نهب أموال العملاء.
وطالبت النيابة بتوقيع أقصى العقوبات على المتهمين، مؤكدة أن ما حدث يمثل اعتداء صارخًا على المال العام وثقة المودعين في الجهاز المصرفي.
عندما تصبح السرقة سياسة دولة
ليست هذه القضية إلا حلقة صغيرة من مسلسل النهب الذي ينهش جسد الدولة المصرية، فحين يغيب الحساب من القمة، ويُكافأ كبار اللصوص بالمناصب والرتب، لا غرابة أن يتجرأ صغار الموظفين على نهب أموال المواطنين.
إنها منظومة فساد تبدأ من رأس السلطة وتنتهي عند موظف البنك، حيث يتحول الوطن كله إلى ضحية واحدة: شعب تُنهب أمواله ليُبنى بها مجد الزعيم الزائف وعصابته.