أصدرت جماعة الإخوان المسلمين وثيقة بعنوان “العيش المشترك” بين السوريين، بعد نحو شهرين من مقالة نشرها أحمد موفق زيدان، مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، في أغسطس الماضي، دعا فيها جماعة الإخوان المسلمين إلى حل نفسها طوعياً، موضحاً أنه يعبر عن رأيه الشخصي.
وجاءت وثيقة جماعة الإخوان المسلمين في سورية بنحو 12 محددا يرسم صورة التعاون بين جميع السوريين لبناء مجتمع متماسك وآمن، ويحذر من الأحكام المسبقة والتعميمات التاريخية التي تولد الكراهية.
وبعيدا عن التعليقات السلبية، والهجوم الضاري الذي يتعرض له الإخوان على مستوى العالم من لجان الثورة المضادة، والمحسوبين على معسكرات موالية، انطلقت أصوات سورية تدعو إلى إعادة قراءة الوثيقة المدنية والسلمية بالمطلق الرافضة لتدخل الجيش في السياسة (في استباق لأي انقلابات عسكرية عانت منها المنطقة العربية وسوريا بشكل خاص على مدى عقود).
الكاتب السوري عبدالرحمن الحاج Abdulrahman Alhaj قال: إن “ما أطلقته جماعة الإخوان المسلمين السبت 18 أكتوبر الجاري “وثيقة العيش المشترك في سورية”: ” تشرح رؤية الجماعة لمفهوم العيش المشترك نظرياً فهي، لا تعالج الوضع الراهن في سورية مباشرة، وتكتفي بالإطار النظري..”.
وأضاف أن “الوثيقة التي تنطلق من فكرة “العقد الاجتماعي” دون ذكر صريح له مستندة إلى “وثيقة المدينة” الشهيرة هي من حيث الجوهر العام تعتبر متقدمة في تفكير أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي، وهي تتوافق عموما مع التوجهات المعلنة.”.
ورأى أن الاخوان المسلمون كتنظيم يحاول “من خلال طرح الوثيقة المتعلقة بموضوع حساس تأكيد حضورهم في المشهد السياسي، وفاعليتهم في القضايا الراهنة دون مزاحمة السلطات الحالية”.
ومن بين التعليقات جاء تعليق من معلق سوري ضد إنشاء أي حزب سياسي في سوريا في الوقت الحالي (المرحلة_الانتقالية) حيث استعرض “المترجم خالد الحمصي” ملخص ما استنتجه من خطاب الإخوان المسلمين برأيه “أن الجماعة تلمّح إلى إعادة تموضع سياسي وفكري جديد، في محاولةٍ منها لإعلان رؤيتها المعاصرة للواقع السوري، رؤية تسعى لأن تكون جزءًا من الحل لا مجرد طرف معارض.”.
وأضاف، “ومن هنا تأتي وثيقة “العيش المشترك” بوصفها إعلانًا موقعيًا ورسالة توضيحية للشارع السوري، تُظهر رغبة الجماعة في مدّ الجسور مع جميع السوريين والمشاركة في بناء مرحلة وطنية جديدة، تتجاوز الانقسامات والصراعات الماضية.
الكاتب الصحفي المصري قطب العربي Kotb El Araby اعتبر أن ما نشرته جماعة الإخوان المسلمين في سوريا “.. وثيقة سياسية مهمة تتضمن رؤيتها للعيش المشترك..ورغم اختصاصها بالحالة السورية إلا أنها تتجاوز إطارها المحلي، لتكون نموذجا يحتذى في أماكن أخرى، وما أكثر الحالات الشبيهة بالوضع السوري”.
وبناء على استفتاءات واستبيانات على منصات التواصل عن آراء السوريين بالوثيقة، علق الكاتب السوري “أبو خليفة الصمادي” أن “النظام السابق أصدر قانونا لامثيل له في العالم ،الانتماء فقط للإخون عقوبته الإعدام ،الأفضل أن تكون الساحة السياسية تنافسية للجميع تحت مظلة المصلحة الوطنية للنهوض بالبلاد لأفضل المراتب، والإقصاء غير مفيد ،والوثيقة تدعو لقبول السوري الآخر والتعايش السلمي بغض النظر عن دينه أو طائفته أو مُكوّنه، وهذا جيد ومفيد لبناء الوطن”.”.
وأضاف “أبو بكري الحلبي”، “.. لقد استطاع العولمة عبر السنين أن يجعلوا من كلمة المسلمين شيئا من الإجرام و اللي وصلوا دستور الدولة يخدم الفكرة لصالح العولمة والكراهية للإسلام والدستور السوري المادة ٩٠ يعدم طبعا بأي طريقة يمكن إلصاق التهمة لم أريد الخلاص منه..”.
وتابع: “لذلك الإخوان المسلمون هم أهلنا ليسوا أجانب، وكل منهم معروف الأصل والنسب، والتوكل على الله هو الوحيد المنقذ الأمة بأهداف ترضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم”.
وعلى واحدة من هذه الاستبيانات علق “أحمد طلب”، “أراهن أن معظم المعلقين لم يكملوا قراءة منشور أ.بسام، فقط شاهدوا كلمة الإخوان وبدأوا يتقيؤون ما تعلموه من مدرسة الأسدين طيلة ٥٠ سنة، وما أتخموا به من إعلام الثورات المضادة. معلش كملوا المنشور للأخير، الأستاذ يسألكم عن رأيكم بالوثيقة، فعذبوا أنفسكم واقرؤوها.
رؤية محام وحقوقي
ورأى ميشيل شماس المحامي السوري وعضو مؤسسات حقوقية سورية Michal Shammas وعبر فيسبوك أن وثيقة جماعة الإخوان المسلمين بعنوان “العيش المشترك”، “تُعد من أبرز محاولات إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع بعد عقود من الاستبداد والانقسام.
وبين ما أضاءته وما أغفلته، يمكن رصد مجموعة من الإيجابيات والسلبيات”.
واعتبر أنه “من أبرز الإيجابيات أن الوثيقة تؤكد أن سوريا يجب أن تكون دولة ديمقراطية تعددية، تقوم على التداول السلمي للسلطة، سيادة القانون، فصل السلطات، والمواطنة، مع رفض المحاكم الاستثنائية وإلغائها.
كما تتبنى لغة مدنية تُعلي من قيم التفاهم والسلم الأهلي، وتخاطب جميع السوريين دون تمييز.
وحق تشكيل الأحزاب السياسية، والمشاركة السياسية الكاملة والحق في انتخابات حرة ونزيهة، ومبدأ تكافؤ الفرص بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق، وتؤكد على كرامة الإنسان السوري وتجريم خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
وتعترف بأهمية منظمات المجتمع المدني في بناء الهوية، وتعزيز الحوار”.
ورأى سلبيات، إلا أنه علقها بالإجراءات التي تجتاج ديباجة مماثلة، مثل قوله: “..تغيب عن الوثيقة إشارات صريحة إلى استقلال السلطة القضائية أو ضمان حيادها، رغم الحديث عن العدالة.
كما لا تُقدّم أي رؤية للعدالة الاقتصادية أو التنمية المتوازنة بين المناطق، ولا تُذكر مؤسسات رقابية أو آليات لمحاسبة السلطة أو ضمان الشفافية، كذلك، لا تُعالج الوثيقة إرث الانتهاكات أو آليات جبر الضرر والمصالحة، وتغيب عنها حرية التفكير كمبدأ تأسيسي رغم الحديث عن حرية الاعتقاد والإعلام. ولا توضح ما إذا كانت موجهة للمرحلة الانتقالية، الدستورية”.
المسؤولية المدعاة
إلا أن “شماس” كشف مشاركته فلول النظام البائد من مسؤولية ما على الإخوان فقال: “يبدو أن وثيقة العيش المشترك التي أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين في سورية تحمل لغة تصالحية وأخلاقية جميلة، لكنها تتجنب أهم ما يُنتظر من أي مراجعة وطنية حقيقية: الاعتراف بالمسؤولية.”.
واستمر في ادعاءاته أنه “..ما يؤخذ على الوثيقة أنها تتحدث عن الاستبداد وانقسام المجتمع، لكنها تجاهلت تماما دور الجماعة في تفتيت المعارضة، وفي تغذية الخطاب الديني الإقصائي الذي ساهم في فقدان الثقة بين المكونات السورية”.
وفي محاولة تجميلية لما دسه، قال “.. الوثيقة تمثل خطوة متقدمة في خطاب الإسلام السياسي السوري، لكنها تبقى بحاجة إلى استكمال مؤسسي وتشريعي يضمن ترجمة القيم إلى واقع ملموس، ويعالج الثغرات البنيوية في تصور الدولة والمجتمع”.
يقصد مسؤولية السنة
ومن بين من علق على ادعاءات “شماس” (منصب ديني كنسي) عبد الباعث الشامي الذي قال: “ليس دفاعا عن الإخوان، ولكن بنقدك للإخوان تقصد السُنة لذلك نرد أين اعتذار الأقليات التي حكمت مع نظام البعث وكانت هي الجلاد والضحية هم من تدعي أنت أنهم مطالبون بالاعتذار أو جبر الخواطر النظام البائد حارب بسيف الأقليات داخليا وخارجيا والضحية هم الأكثرية، ولن تستطيع بتزويرك للتاريخ بهكذا كلام أن تطمس الحقيقة الدامغة الساطعة البيّنة أن الأكثرية تعرضت لظلم وقهر وتنكيل وتشريد ممنهج على يدي الأقليات التي واجهتها هو النظام البائد، يجب أن تعترف الأقليات بكافة أطيافها بأنهم كانوا مشاركين سواء داخليا أو خارجيا بهذا الظلم والقهر الذي وقع وهم الأقليات من يجب أن يجبر الخواطر وأن يسارعوا لردم الهوة السحيقة التي شاركوا بحفرها بمشاركتهم النظام البائد بجرائمه”.
الحوار إلى الإدارة
الأكاديمي د. مخلص الصيادي من إسطنبول دعا إلى أن تأخذ الوثيقة طريقها إلى العموم وبالأخص الإدارة السورية، واعتبر أن القضايا التي أثارتها وثيقة العيش المشترك “خمس قضايا مهمة بعضها رئيس وبعضها فرعي تعرضنا لها ونحن ننظر في هذه الوثيقة التي نصفها بالمهمة، وبعد أخذ هذه القضايا بعين الاعتبار، فإن هناك الكثير مما ورد في الوثيقة يمكن اعتباره محل اتفاق، وخصوصا ما تم استعراضه تحت عنوان “معايير تقييم وقيم تعضد العيش المشترك”..
وأضاف “.. أؤكد ضرورة أن تجد هذه الوثيقة اهتماما وتقديرا من القوى السياسية السورية، وأن تكون قاعدة حوار، وأن تشجع القوى الأخرى لتبني وثائق وطرح رؤى تساعد السوريين على تفعيل الحوار فيما بينهم، وتساعد السلطة القائمة على ترشيد حركتها، والخروج من أسر مفهوم الاستئثار بالمجتمع وبالسلطة الذي تحكم فيها طوال الأشهر الماضية، وتسرع في ولادة مجتمع المواطنة الحقة، مجتمع السلطة الديموقراطية، حيث يتساوى فيه المواطنون حقوقا وواجبات، على كامل الوطن السوري”.
تدخل الجيش في السياسة
وعوضا عن مطالبتها الدولة بحماية جميع المكونات، أصدرت جماعة “الإخوان المسلمين في سوريا” اليوم وثيقة لرؤيتها لـ”العيش المشترك” في البلاد دعت فيها لإقامة دولة ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.
وبدأت الجماعة وثيقتها بإيراد شواهد دينية من الآيات القرآنية تدلّل على الأسس الشرعية للعيش المشترك، وتدعو إلى احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه، وتطبيق العدالة مع القريب والبعيد وحتى مع العدو المحارب، والتعاون مع كافة الأطراف لتحقيق المصالح المشتركة، مع الإشارة إلى أن النظرة الإسلامية تثبت أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات لا يبرر الصدام والصراع بل يستدعي إقامة شراكة وتواصل وتعارف لبناء دولة تقوم على القيم الإنسانية.
لخّصت الوثيقة دور الدولة لترسيخ العيش المشترك في 4 بنود، أولها تأمين الإطار القانوني لتوفير الأمن لكل مكونات النسيج السوري، وحماية الحقوق والحريات في الدولة ودعم سياسات المواطنة وضبط التجاوزات على القيم الإنسانية.
إضافة إلى أهمية إطلاق الدولة لمبادرات لتعزيز السلم الأهلي والحوار الحقيقي، وبناء شراكات بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني لدعم التنوع الثقافي، واختيار مواد التعليم البانية للقيم المشتركة والمعززة للوعي الثقافي.