يواجه أصحاب المعاشات أزمة كبيرة فى الحصول على متطلباتهم المعيشية خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الخدمات الطبية والعلاجية والأدوية وكذلك السلع الغذائية والتكاليف الحياتية فى الوقت الذى ترفض فيه دولة العسكر زيادة المعاشات لتتوافق مع الحد الأدنى للأجور الذى يحصل عليه الموظفون قبل الإحالة للتقاعد .
هكذا يجد أصحاب المعاشات أنفسهم فى مواجهة مع الغلاء بعد عقود طويلة قضوها فى خدمة دولة العسكر، لأن المعاشات لا تكفى حتى أبسط الاحتياجات اليومية، ومع تزايد الأعباء الصحية فى هذه المرحلة العمرية، يصبح الوضع أكثر قسوة، ليتحول المعاش الذى يفترض أن يكون «ضمانة لشيخوخة كريمة» إلى مجرد مبلغ رمزى لا يصمد أمام تكاليف المعيشة .
كانت الدعوات قد تصاعدت على مواقع السوشيال ميديا لتطالب بحد أدنى للمعاشات لا يقل عن 7٠٠٠ جنيه، باعتباره الرقم الذى يغطى الحد الأدنى لأسرة صغيرة فى مواجهة الغلاء.
إيجار شقة
حول أزمة أصحاب المعاشات قال الحاج عبدالحليم ٧٠ سنة، سائق سابق فى هيئة النقل العام : كنت فاكر أن المعاش هيسترنى فى آخر عمرى، طلع هو اللى فضحني .
وأشار الحاج عبدالحليم إلى أن معاشه لا يتجاوز 3 آلاف جنيه، بينما إيجار شقته وحده ١٨٠٠ جنيه أى أن ما يتبقى له لا يكفى حتى لشراء كيلو لحم، مؤكدا أنه يضطر أن يعمل سائقاً تحت الطلب ليكمل ما ينقصه رغم أمراضه المزمنة التى تثقّل خطواته.
بلا سند حقيقى
وكشفت الحاجة أمينة، ٦٢ عاماً، موظفة سابقة، عن معاناتها بعد المعاش قائلة : أنا أرملة وأتقاضى معاشاً قدره ٢٨٠٠ جنيه، أدفع نصفه تقريباً فى إيجار الشقة الذى يصل إلى ١٥٠٠ جنيه، ويتبقى لى ١٣٠٠ فقط للمعيشة طوال الشهر
وقالت الحاجة أمينة : أبسط احتياجاتى الطبية تلتهم ما تبقى، فكشف الطبيب ٤٠٠ جنيه، والتحاليل ٣٠٠ مؤكدة أنها تضطر للاستدانة شهرياً حتى تتمكن من العلاج وتوفير أساسيات الحياة .
وأضافت : طوال عمرى كنت أؤمن بأن الدولة هى سندنا بعد التعب، لكن الواقع أثبت أن المتقاعدين تُركوا يواجهون أعباء الحياة وحدهم بلا سند حقيقى.
فاتورة الكهرباء والغاز
وأشار الحاج سيد، موظف سابق ٧٠ عاماً، إلى رحلته الطويلة مع العمل ثم الصدمة بعد التقاعد وقال : خدمت ٤٠ سنة متواصلة، كنت أخرج من بيتى السابعة صباحاً وأعود الرابعة عصراً، لم أتأخر يوماً ولم أقصر فى أداء عملى، وبعد كل هذا العناء لا يتجاوز معاشى ثلاثة آلاف ونصف جنيه .
وأكد الحاج سيد أن نصف المعاش تقريباً يضيع فى فاتورة الكهرباء والغاز، وما يتبقى بالكاد يكفى لشراء بعض الخضار والخبز .
وأوضح أن الاصعب بالنسبة له أنه يعانى من أمراض القلب والضغط ويحتاج لأدوية شهرية تتجاوز ١٢٠٠ جنيه، مؤكدا أنه فى بعض الأحيان يذهب للصيدلية ويطلب شريط دواء واحد فقط، ويقول للصيدلى إنه سيدفع باقى المبلغ عندما يقبض ابنه راتبه.
موجات الغلاء
وأكد منير سليمان، الأمين العام الأسبق لاتحاد المعاشات، أن الوضع المعيشى لأصحاب المعاشات بات «أقرب للمستحيل» فى ظل موجات الغلاء المتتالية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل جنونى، بينما لا يتجاوز الحد الأدنى للمعاشات اليوم ١٤٩٥ جنيهاً فقط.
وتساءل سليمان فى تصريحات صحفية : هل من المنطقى أن يتمكن صاحب معاش بهذا المبلغ الزهيد، خاصة إذا كان لا يزال مسئولاً عن إعالة أبنائه، من تدبير احتياجات أسرته اليومية؟ كيف يمكنه مواجهة مصاريف العلاج والأدوية وهو فى عمر تتكاثر فيه الأمراض؟ .
وقال : الأمر واضح.. لا يستطيع صاحب المعاش أن يعيش بكرامة فى هذا الواقع مؤكدا أن نحو ٥٠٪ من أصحاب المعاشات يتراوح دخلهم الشهرى ما بين ١٥٠٠ و٢٠٠٠ جنيه فقط، فى حين لا يتجاوز من يحصل على معاش يصل إلى ٥٠٠٠ جنيه نسبة ٥٪ من أصحاب المعاشات، وغالباً لا يتحقق ذلك إلا بعد بلوغهم سن السبعين عاماً.
وأشار سليمان إلى أن هذه الأرقام تكشف الفجوة الهائلة بين الدخل المتدنى والحاجات المعيشية اليومية، خاصة فى ظل الخصخصة المتسارعة للمستشفيات وارتفاع أسعار العلاج والدواء بشكل مستمر، ما جعل الكثيرين غير قادرين على تحمل أبسط تكاليف الرعاية الصحية.
العلاوات
وشدد على أن العلاوة الدورية التى أُقرت بنسبة ١٥٪ لا تُحدث أى فارق حقيقى فى حياة أصحاب المعاشات، موضحا أنه إذا كان معدل التضخم قد وصل إلى ٤٠٪، فالعلاوة فى هذه الحالة ليست سوى تراجع فى القيمة الحقيقية للمعاش، لأن الأسعار تقفز بسرعة بينما تظل الزيادة ثابتة وبلا معنى .
وضرب سليمان مثالاً بأسعار الخدمات الأساسية مثل الغاز والكهرباء والمياه والصرف الصحى، التى ترتفع بشكل مستمر ولا تتراجع، فضلاً عن إعلان الحكومة عن زيادات مرتقبة فى أسعار المحروقات خلال شهر أكتوبر الجارى ، وهو ما يعنى بالضرورة ارتفاع تكاليف النقل وبالتالى زيادة أسعار كل السلع والمنتجات دون استثناء.
وأكد أن أصحاب المعاشات يجدون أنفسهم فى مواجهة مباشرة مع شروط صندوق النقد الدولى، التى تنعكس فى شكل زيادات متواصلة بالأسعار ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية وبالتالى هم يدفعون الثمن دائماً، ومع كل قرار اقتصادى جديد تتضاعف معاناتهم .
وشدد سليمان على أن استمرار الوضع الحالى يمثل مخالفة واضحة وصريحة للدستور، الذى ينص على توفير حياة كريمة للمواطنين وحماية حقوق الفئات الأكثر ضعفاً مطالبا بضرورة رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى ٧ آلاف جنيه، وهذا ليس ترفاً أو مطلباً مُبالغاً فيه، وإنما استحقاق ضرورى يتناسب مع حجم الغلاء المعيشى وارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار.
