لا تزال أصداء تلويح السيسي بإنزال الجيش إلى كل قرى مصر لإزالة مخالفات البناء تتواصل في أوساط الرأي العام، سيما مع حديثه عن استعداده لمغادرة السلطة إذا طالبه الشارع بذلك عبر استفتاء شعبي، ليتصدر هاشتاج #مش-عايزينك التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولتترافق مع المعارضة الشعبية المستمة والمتصاعدة لقرار وقف كل أعمال البناء على مستوى الجمهورية والتلويح بوقفها في بعض المحافظات لمدة تصل إلى 10 سنوات رغم الحديث في المقابل عن حملات واسعة لإزالة المباني المخالفة.
يأتي هذا فيما تتواصل الانتقادات بشأن التهديدات بنشر القوات المسلحة في هذه الحملات والتي ترى فيها الأوساط السياسية والحقوقية بمثابة اختزال للدولة المصرية ومؤسساتها في القوات المسلحة ووضعها في مواجهة مباشرة مع المواطنين كصورة من صور إرهاب الدولة.
حالة الانفعال الهستيري التي تتلبّس السيسي في بعض خطاباته تجعله يتصرف وكأنه يخوض حربه الأخيرة من أجل البقاء في السلطة، مع كل تذمر شعبي جراء القرارات الاقتصادية والاجتماعية غير محسوبة الأثر ترفع أجهزة الدولة مؤشرات هذا الغضب للسيسي فيخرج الأخير للإعلام مشحونا بكل عناصر الاضطراب والقلق ما يدفعه إلى التورط في استعمال كلمات التهديد والوعيد.. ادعاء القدرة على إخضاع كل من يفكر في رفض سياساته وإجراءاته، الأمر الذي يكشف -حسب مراقبين- حالة القلق من أي حراك يقبل عليه الشارع ويراه السيسي مهددا لاستقرار حكمه.
وفي الوقت الذي نزل فيه حديث السيسي بردا وسلاما على إعلام الدولة مسموعا ومقروءا ومرئيا، ثار جدل هائل على منصات التواصل الاجتماعي، جدل تجلى في حجم التفاعل على هاشتاجين متعارضين أحدهما بعنوان #مش_عايزينك والآخر بعنوان شعب مصر معاك يا ريس، ليبدو المشهد كما لو كان تجسيدا لفكرة الاستفتاء المزعومة في خطابه.
مع تعليقات رفض السيسي والمطالبة برحيله رغم مناوشات ما تعرف بالكتائب الإلكترونية عبر هاشتاج دعمه وتأييده ما يؤكد بلوغ موجة الغضب ذروتها بتصدر الهاشتاج الأول لأيام على قائمة التداول. فبتهديده هذه المرة بالدفع بالجيش إلى الشارع لإنهاء أزمة البناء المخالف يستدعي السيسي العديد من المقارنات خاصة مع مساواته أزمة مخالفات البناء بأزمة سد النهضة، ففي الوقت الذي يؤثر فيه جانب اللين والحوار حتى آخر نفس مع الجانب الإثيوبي الذي يهدد مصدر المياه الرئيس للمصريين يجعل القوة عنوانا لمواجهة أي صوت ينتقد أو يعارض.
وبالنظر إلى هذه المفارقة تحديدا يخشى كثير من المراقبين أن يكون وقع تهديد السيسي سلبيا على العلاقة بين الجيش والشعب والتي تهاوت كثيرا منذ انقلاب 2013 بفعل جرائم قتل وملاحقة المعارضين، فضلا عن مشاهد الاحتكار وتوريطه في مجالات بعيدة مقابل الإخفاق المعتاد في ميدانه والذي يتجلى في سقوط العشرات من أبنائه كل حين في مواجهات غير متكافئة مع التنظيمات المسلحة.
أحمد فريد مولانا الباحث في الشئون السياسية والأمنية والإستراتيجية، رأى أن المعتاد في النظم السياسية أنها تتبنى توجهات اقتصادية تتماشى مع طبيعة النظام السياسي الموجود، فمثلا في العهد الناصري أمم الرئيس جمال عبدالناصر المشهد السياسي وحل الأحزاب في مقابل تقديم خدمات اجتماعية للمواطنين وتمليك أراضي الإصلاح الزراعي لفلاحين بواقع 5 أفدنة، وكذلك فكرة تأبيد الإيجارات السكنية وكفالة توظيف خريجي الجامعات.
وأضاف مولانا في حواره مع برنامج "قصة اليوم" على قناة "مكملين"، أنه في عهد الرئيس أنور السادات أطلق سياسية الانفتاح الاقتصادي وترتب عليها الانفتاح في المشهد السياسي مثل حرية السفر للخارج وإطلاق سراح المعتقلين في السجون والسماح بنوع من النشاط العام للطلاب في الجامعات.. وهذه الإجراءات تتماشى مع طبيعة الانفتاح الاقتصادي الموجود. وأوضح مولانا أن روبرت سبرنج وود ذكر في عام 1989 أن هناك أزمة في مصر نتيجة بسبب زيادة المصروفات وتراجع الإيرادات وتوقع قدوم نظام استبدادي يتبنى سياسات رأسمالية متطرفة، مضيفا أن النظام الذي يحتكر المشهد السياسي ولا يعطي الناس أي مكتسبات اقتصادية أو مجتمعية يهدد بفقدانه أي حاضنة شعبية وينشر حالة من الاحتقان داخل المجتمع. وأشار إلى أن الاحتقان قد يتحول إلى انفجار من المطالب الشعبية، أو الهروب من الدولة عبر الهجرة غير الشرعية والبحث عن مستقبل في دول أخرى .
الدكتور جمال جودة المحلل السياسي، بدوره رأى أن هناك حالة من السخط الشعبي منتشرة منذ فترة بسبب إجراءات نظام السيسي وقراراته التي ترهق كاهل المواطنين وأيضا أزمة سد النهضة والأحداث في سيناء.
وأضاف جودة في مداخلة هاتفية لبرنامج "قصة اليوم" على قناة "مكملين" أن المشكلة أن الشعب المصري محكوم بالدبابة والكثير من الناس يخافون، ومن ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة محدودة، ولا يمكن أن تعبر عن الواقع. موضحا أن النظم الاستبدادية تعتمد في تفاعلاتها مع الأحداث داخليا وخارجيا على تقارير المخابرات لديها، وبالتالي سيخرج علينا السيسي كل فترة بلغة محددة لمخاطبة الداخل أو الخارج.
