بدلاً من التوجّه الطبيعي لاستيراد الغاز من دول عربية تملك فائضاً كبيراً مثل قطر والجزائر، اختار نظام عبد الفتاح السيسي منذ البداية الارتماء في أحضان الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة يرى مراقبون أنها تعكس انحيازاً سياسياً واضحاً يفوق أي حساب اقتصادي.
ومع انفجار الأزمة الأخيرة بين القاهرة وتل أبيب وتعليق صفقة الغاز، ظهرت الأسئلة القديمة مجدداً: لماذا فضّل النظام الاعتماد على “العدو الأول تاريخياً لمصر” على حساب الشركاء العرب؟
صفقة معلّقة.. وتعطيل سياسي لا علاقة له بالسوق
ملف “صفقة الغاز المعلّقة” عاد إلى الواجهة بعد أن نقلت وسائل إعلام مصرية وإسرائيلية تفاصيل تعثر الاتفاق منذ ثلاثة أشهر، حين كشفت صحيفة يسرائيل هيوم أن بنيامين نتنياهو أوقف التنفيذ “دون موافقته الشخصية”، بذريعة وجود “خرق مصري” لاتفاقية كامب ديفيد بسبب انتشار الجيش في سيناء، وهو ما نفته القاهرة بالكامل.
الصفقة التي كانت تمتد حتى عام 2040، وتبلغ قيمتها 35 مليار دولار مقابل توريد 130 مليار متر مكعب من غاز حقل ليفياثان، جاءت كامتداد لاتفاق 2019. لكن تعطيلها فجّر سؤالاً مركزياً: لماذا وضعت مصر أمن طاقتها تحت رحمة قرار سياسي إسرائيلي؟
قطر تدخل على الخط.. بعد انهيار الرهان على نتنياهو
تعثر الصفقة فتح الباب أمام الدوحة التي عرضت –وفق القناة 12 الإسرائيلية– كميات ضخمة من الغاز المسال، محاولة استثمار الفراغ الذي تسبب فيه التعطيل الإسرائيلي. ورغم عدم صدور إعلان رسمي، فإن مصادر في وزارة البترول المصرية أكدت أن القاهرة تدرس “تنوع المصادر والسعر الأرخص”، وسط أحاديث عبرية عن رغبة تل أبيب في رفع سعر الغاز.
هذا التطور يطرح سؤالاً إضافياً: لماذا لم تتجه مصر منذ البداية لتأمين الغاز عبر شراكات عربية مستقرة سياسياً وسعرياً؟
ضغوط أمريكية تعيد الصفقة للحياة.. ومنافسة أمريكية موازية
صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت أن وزير الطاقة الإسرائيلي بات يميل للموافقة على الصفقة تحت ضغط أمريكي مباشر، بالتزامن مع توقيع القاهرة اتفاقاً آخر لاستيراد 80 شحنة غاز مسال من شركة أمريكية بقيمة 4 مليارات دولار.
ووصفت صحيفة غلوبس الإسرائيلية العقد الأمريكي بأنه “منافس غير مباشر” لاتفاق الغاز الإسرائيلي، مشيرة إلى أن تعطل الصفقة دفع القاهرة للبحث عن بدائل، رغم الفارق الكبير في الكميات.
توتر سياسي غير مسبوق بعد حرب غزة
تعليق الصفقة ترافق مع تدهور حاد في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023. وبلغ التوتر ذروته عندما وصف رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان نتنياهو بأنه “واهم”، متحدياً إياه أن يلغي الاتفاق “إن استطاع تحمل نتائجه الاقتصادية”.
لكن رغم هذا التوتر، استمر النظام المصري في الدفاع عن سردية “الشراكة الاستراتيجية” مع إسرائيل في ملف الطاقة، وهو ما يعيدنا للسؤال الأول: هل كان الرهان على الاحتلال خياراً اقتصادياً أم تعبيراً عن اصطفاف سياسي؟
قرار النظام المصري التوجه نحو الغاز الإس
تكشف أزمة الغاز الحالية أن قرار النظام المصري التوجه نحو الغاز الإسرائيلي لم يكن مجرد ملف اقتصادي، بل خطوة سياسية محسوبة، جاءت على حساب خيارات عربية منطقية وأقرب لمصر تاريخياً وجغرافياً. وعندما انهار هذا الرهان بسبب مزاج نتنياهو وتقلباته، وجدت القاهرة نفسها مجبرة على البحث عن بدائل كانت متاحة منذ البداية.
في النهاية، تبدو الأزمة درساً إضافياً على أن الأمن القومي والاقتصادي لا يُبنى على علاقات هشة مع طرف يستثمر في الضغط لا في الشراكة.
