تختار الحلول السهلة …حكومة الانقلاب ترفع أسعار الوقود للمرة الـ20 خلال 6 سنوات دون اعتبار للغلابة

- ‎فيتقارير

 

 

تواصلت الانتقادات فى الشارع المصرى لقرار حكومة الانقلاب برفع أسعار الوقود والذى انعكس على أسعار جميع السلع والمنتجات والتى شهدت زيادات متفاوتة وهو ما يضاعف أعباء المواطنين المصريين خاصة محدودى الدخل والذين لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم اليومية الضرورية .

وكشف قرار زيادة أسعار الوقود للمرة الـ20 خلال 6 سنوات أن حكومة الانقلاب تسلك الطرق الأسهل في معالجة الأزمة الاقتصادية، وتتجاهل التداعيات السلبية على المواطنين جراء هذه الزيادات

اكما أن لنهج حكومة الانقلاب واختيارها الطريق السهل عبر رفع أسعار البنزين والكهرباء بدلًا من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الصعبة التي يطالب بها صندوق النقد يعكس فشلًها في الإدارة الاقتصادية .

 

ملفات صعبة

 

من جانبه قال أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور كريم العمدة إن ملف دعم المحروقات يمثل أحد أكثر الملفات حساسية في الاقتصاد المصري، إذ يخضع لتدقيق مستمر من صندوق النقد الدولي. مشيرا إلى أن حكومة الانقلاب رفعت أسعار الوقود خمس مرات خلال عامين فقط، وهو رقم مرتفع جدًا بالنظر إلى الأعباء الاقتصادية التي يتحملها المواطن.

وأكد العمدة فى تصريحات صحفية أن الزيادة الأخيرة غير مبررة، خاصة في ظل تأكيدات مسؤولي صندوق النقد بأن رفع أسعار المحروقات ليس مطلبًا ملحًا في الوقت الراهن. 

وأشار إلى أن حكومة الانقلاب كانت قد صرحت سابقًا بأن هذه الزيادة ستكون الأخيرة، لكن من الواضح أن الأمر غير محسوم، إذ قد تعقبها زيادات جديدة إذا ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه أو زاد سعر برميل النفط عالميًا. مؤكدا أن دعم المحروقات كان دائمًا أحد الملفات الصعبة التي واجهت الحكومات منذ عهد الرئيس السادات، لكن حكومة الانقلاب الحالية هي الوحيدة التي ألغت الدعم بشكل شبه كامل، رغم ما لذلك من آثار سلبية على معدلات التضخم ومستوى المعيشة. 

وشدد العمدة على ضرورة أن تظل هناك نسبة معقولة من دعم الطاقة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، معتبرًا أن الكهرباء والوقود يمثلان أساس الصناعة والإنتاج، ومن ثم فإن رفع أسعارهما يؤثر بشكل مباشر على الأسعار ومستويات التضخم. .

ولفت إلى أن المواطن البسيط وموظفو الحكومة من محدودي الدخل لا يمكنهم تحمل الصدمات المتتالية في أسعار الوقود موضحًا أن تكلفة المواصلات اليومية ارتفعت بشكل كبير، إذ أصبحت الرحلات القصيرة داخل المدينة لا تقل عن 6 إلى 7 جنيهات، بينما تتجاوز تكلفة التنقل بين المحافظات أو عبر مسافات طويلة 50 جنيهًا يوميًا للموظفين والطلاب. 

وتابع العمدة أن هذه الزيادات تخلق ضغوطًا تضخمية هائلة على المصريين، مشيرًا إلى أن التضخم المنفلت ظل أحد أكثر الملفات تعقيدًا أمام حكومات الانقلاب المتعاقبة.

 

الطريق الأسهل

 

وانتقد تعامل حكومة الانقلاب الحالية مع صندوق النقد الدولي، مؤكدًا أن المراجعتين الرابعة والخامسة لبرنامج الصندوق لا تزالان مؤجلتين بسبب ضعف أداء هذه الحكومة في الملفات الأساسية التي يطالب بها الصندوق، مثل الشفافية، الحوكمة، القضاء على الفساد، وتخارج دولة العسكر من النشاط الاقتصادي عبر الطروحات الحكومية. 

وخلص العمدة إلى أن حكومة الانقلاب اختارت الطريق الأسهل عبر رفع أسعار البنزين والكهرباء بدلًا من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الصعبة التي يطالب بها الصندوق، معتبرًا أن هذا النهج يعكس فشلًا في الإدارة الاقتصادية، في ظل مجلس نواب ضعيف لا يمارس دوره الرقابي الفعّال على القرارات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر. 

 

قصور في الرؤية

 

وقالت الباحثة الاقتصادية ميرفانا ماهر إن حكومة الانقلاب تبرر قرار رفع أسعار الوقود بارتفاع تكلفة المنتجات البترولية على الموازنة العامة، مشيرة إلى أن الدافع الحقيقي وراء القرار هو تخفيف عبء النفقات على بند دعم الطاقة في ظل الضغوط المالية المتزايدة. 

وأكدت ميرفانا ماهر فى تصريحات صحفية أن الزيادة الأخيرة جاءت في توقيت غير مناسب تمامًا، موضحة أن المؤشرات الرسمية تتحدث عن تراجع معدلات التضخم، بينما الواقع في الأسواق يُظهر العكس، حيث تشهد أسعار السلع ارتفاعًا في كل القطاعات. .

واعتبرت أن الزيادة الأخيرة، التي بلغت جنيهين في اللتر، كبيرة مقارنة بالزيادات السابقة، كما أن رفع سعر السولار ينعكس تلقائيًا على تكلفة النقل والإنتاج، وبالتالي على جميع الأسعار في السوق مشيرة إلى أن القرار جاء في وقت اتخذ فيه البنك المركزي قرارًا بخفض أسعار الفائدة، وهو ما أثّر سلبًا على أصحاب المعاشات وشرائح الطبقة المتوسطة التي كانت تعتمد على عوائد شهادات الادخار في البنوك كمصدر دخل ثابت.

وأوضحت ميرفانا ماهر أن القرارات الاقتصادية تبدو متعارضة ؛ فخفض الفائدة يضغط على المدخرين، ورفع أسعار الوقود يرفع تكاليف المعيشة عليهم في الوقت نفسه معتبرة قرار رفع الأسعار استسهال من حكومة الانقلاب بدلًا من البحث عن حلول أكثر عدالة أو بدائل اقتصادية حقيقية،

وشددت على أن صندوق النقد نفسه لم يطالب صراحةً بهذه الزيادة الأخيرة. معتبرة أن هناك بدائل كانت متاحة، لكنها أصعب سياسيًا، مثل إعادة النظر في دعم المصدرين الذي تضاعف خلال السنوات الأخيرة، أو إعادة هيكلة الصناديق الخاصة التي لا تزال ملفًا غامضًا، أو تطوير قطاع الثروة المعدنية بما يوفر إيرادات مستقرة لدولة العسكر . 

وقالت ميرفانا ماهر إن التركيز المستمر على الحلول السريعة مثل رفع الأسعار يعكس قصورًا في الرؤية الاقتصادية طويلة المدى، مؤكدة أن العدالة الاجتماعية والابتكار المالي يجب أن يكونا محور أي إصلاح اقتصادي حقيقي. 

 

صندوق النقد

 

وقال الخبير الاقتصادي زهدي الشامي إن السبب المباشر لرفع أسعار البنزين والبوتاجاز والغاز يعود إلى التزامات حكومة الانقلاب تجاه صندوق النقد الدولي بموجب الاتفاق القائم بين الطرفين، وهو ما يجعل هذه القرارات مرتبطة بشكل مباشر بشروط الصندوق وإملاءاته. موضحا أن هذا التوجه يتقاطع مع السياسة الجبائية العامة التي تنتهجها حكومة الانقلاب، والتي تقوم أساسًا على زيادة الأعباء الضريبية وغير الضريبية على المواطنين بدلاً من البحث عن حلول هيكلية أكثر عدالة واستدامة. 

وأضاف الشامي فى تصريحات صحفية أن غياب المعارضة المؤسسية الحقيقية بسبب التضييق الشديد على الحريات العامة جعل حكومة الانقلاب تمرر مثل هذه القرارات دون مقاومة سياسية أو رقابية فعالة، وهو ما يضعف من قدرة المجتمع على مواجهة السياسات الاقتصادية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الوقود والغاز سيؤدي إلى زيادة حادة في تكلفة النقل والمواصلات، الأمر الذي سينعكس على أسعار جميع السلع والخدمات، من المواد الغذائية إلى المنتجات الصناعية، ما يضاعف الأعباء على الأسر محدودة ومتوسطة الدخل. 

وأكد الشامى أن حكومة الانقلاب تفشل، كالعادة، في السيطرة على معدلات التضخم أو خفضها إلى مستويات مقبولة، مشيرًا إلى أن التوقعات تتجه نحو استمرار ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة، وهو ما دفع البنك المركزي نفسه إلى رفع توقعاته لمعدل التضخم خلال الفترة القادمة.

وأوضح أن هذا الوضع يعكس غياب رؤية اقتصادية شاملة، إذ تكتفي حكومة الانقلاب بالإجراءات السهلة مثل رفع الأسعار والضرائب، دون أن تقدم بدائل حقيقية لدعم الإنتاج المحلي أو تعزيز الحماية الاجتماعية معربا عن أسفه لأن حكومة الانقلاب أسيرة نهج اقتصادي واحد تتبعه منذ أكثر من عشر سنوات، بل إن جذور هذا التوجه تعود إلى سياسات الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، التي كرست الاعتماد المفرط على القروض والمساعدات الخارجية، وتجاهلت بناء قاعدة إنتاجية وطنية قوية. .

وشدد على أن النهج الحالي يعيد تكرار نفس الأخطاء القديمة بالاعتماد على وصفات جاهزة من المؤسسات المالية الدولية، رغم ما أثبتته التجارب السابقة من فشل تلك السياسات في تحقيق تنمية حقيقية أو تحسين مستويات المعيشة للمواطنين. 

وقال الشامي إن معالجة الأزمة الاقتصادية تتطلب تحولًا جذريًا في فلسفة الإدارة الاقتصادية، يقوم على العدالة الاجتماعية، ودعم الفئات الأكثر تضررًا، وإعادة الاعتبار للسيادة الاقتصادية الوطنية بعيدًا عن التبعية لشروط صندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات المالية العالمية.