بعد رفع أسعار الوقود… «كل حاجة بقت غالية فى زمن العصابة»

- ‎فيتقارير

 

 

الارتفاع الأخير فى أسعار المواد البترولية لم يكن مجرد رقم على ورق أو قرار اقتصادى يُتداول فى نشرات الأخبار، بل كان زلزالًا صامتًا ضرب تفاصيل الحياة اليومية لملايين المصريين فكل زيادة فى سعر لتر الوقود تعنى خصمًا جديدًا من ميزانية الأسرة، وارتفاعًا فى أسعار كل شىء بدءًا من رغيف العيش حتى تذكرة المواصلات، كيلو الطماطم يقفز، وأجرة التوصيل ترتفع، وسائق التاكسى يعتذر عن المشوار القصير لأنه «مش مكسب»، بينما المواطن يكتفى بالجملة المعتادة : «كل حاجة بقت غالية فى زمن العصابة».

فى المقابل تبرر حكومة الانقلاب قراراتها بأنها ضرورة لإصلاح المنظومة الاقتصادية وتقليل عبء الدعم عن الموازنة العامة، وتزعم أن دولة العسكر ما زالت تتحمل مليارات الجنيهات سنويًا لتوفير الوقود بأسعار تقل عن تكلفته الفعلية.

لكن بين مبررات الأرقام وصرخات الواقع، يقف المواطن عاجزا، يطارد لقمة العيش التى تبتعد كلما ارتفع سعر لتر البنزين أو السولار.

 

الطرف الأضعف

 

فى هذا السياق حذر جلال معوض عمران، النائب الأول لشعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية، من أن كل ارتفاع فى أسعار البنزين والسولار ينعكس مباشرة وبشكل سلبى على أسعار السلع والخدمات، مؤكدًا أن المستهلك هو الطرف الأضعف الذى يتحمل دائمًا التكلفة النهائية فى هذا الواقع الاقتصادى المؤلم.

وقال «عمران» فى تصريحات صحفية إن أى تحرك فى أسعار الطاقة ينعكس على تكاليف النقل والشحن والتخزين، وهو ما يؤدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية فى الأسواق، سواء المحلية أو المستوردة، مشيرًا إلى أن المنتجين والتجار يستجيبون بسرعة لأى زيادات فى الأسعار، بينما تكون الاستجابة بطيئة جدا عند انخفاض الأسعار، ما يجعل المواطن لا يشعر بأى تحسن فعلى حتى مع استقرار المؤشرات الاقتصادية.

وأوضح أن الأسواق شهدت خلال الشهور الماضية زيادات متلاحقة فى سعر الصرف، كانت تُستخدم كـ«مبرر» من جانب بعض التجار لرفع الأسعار، لافتا إلى أننا الآن نشهد استقرارًا فى سعر الدولار، لكن وتيرة انخفاض الأسعار ضعيفة مقارنة بسرعة زيادتها من قبل .

وأشار «عمران » إلى سوق السكر قائلًا : سعر الكيلو وصل إلى 35 جنيهًا، ومع استقرار الأوضاع تراجع إلى 30 جنيهًا فقط، رغم انخفاض تكاليف النقل وسعر الصرف، وهو ما يؤكد أن مرونة السوق فى اتجاه الانخفاض محدودة جدًا .

 

تكلفة الشحن

 

وشدد على أن مصر تنتج نحو 50% من احتياجاتها من السكر محليًا من خلال زراعة قصب السكر والبنجر، بينما يتم استيراد ما بين 50% و65% من الخام من الخارج لتغطية الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلى، مؤكدًا أن أى تغير فى تكلفة الشحن أو أسعار الطاقة العالمية ينعكس مباشرة على سعر السكر والمنتجات المرتبطة به.

وفيما يخص القمح ومشتقاته، أوضح «عمران» أن السوق المحلية تأثرت بشدة أثناء الحرب الروسية الأوكرانية، حين قفز سعر طن الدقيق إلى نحو 26 ألف جنيه، قبل أن يتراجع مؤخرًا إلى قرابة 15 ألف جنيه بعد استقرار الإمدادات العالمية.

وذكر أنه رغم هذا التراجع الكبير، لم نلحظ انعكاسًا واضحًا على أسعار الخبز أو الفينو أو منتجات المخابز معتبرًا أن غياب الرقابة الحقيقية جعل المستهلك لا يجنى ثمار أى انفراجة.

ودعا «عمران» إلى ضرورة تفعيل الدور الرقابى للأجهزة المعنية، وفى مقدمتها جهاز حماية المستهلك، ووزارة تموين الانقلاب، وغرف التجارة بالمحافظات، لضبط الأسواق ومنع التلاعب بالأسعار.

 

أسعار السلع والخدمات

 

وأكد الخبير الاقتصادى الدكتور شريف دلاور، أن كل جنيه زيادة فى لتر السولار يضيف عبئًا مباشرًا على قطاعات النقل والتوزيع والصناعة، وهو ما ينعكس فى النهاية على أسعار السلع والخدمات الأساسية التى يستهلكها المواطن يوميًا.

وقال «دلاور» فى تصريحات صحفية : الحديث الرسمى عن عدم تأثر أسعار السلع والخدمات بالزيادة الأخيرة فى أسعار الوقود «غير واقعى»، مؤكدًا أن التأثير يمتد إلى كل ما يعتمد فى نقله أو إنتاجه على الطاقة، بدءًا من وسائل المواصلات العامة والخاصة، وصولًا إلى الخضروات والفاكهة.

وأشار إلى أن اتجاه رفع أسعار المواد البترولية يتناقض مع سياسات البنك المركزى الرامية إلى خفض سعر الفائدة، والتى تستهدف بدورها كبح جماح التضخم، مؤكدا أن رفع الوقود يضيف تكلفة تشغيلية ضخمة على كل حلقات الإنتاج والتوزيع، وبالتالى يُضعف أثر أى سياسات نقدية تستهدف خفض الأسعار أو تحفيز النمو .

وأوضح «دلاور» أن المشكلة لا تكمن فى الزيادة نفسها فقط، بل فى وتيرتها السريعة وسهولة انعكاسها على الأسواق، حيث تُسارع شرائح كثيرة من التجار والموردين إلى رفع الأسعار فور الإعلان عن أى تعديل، بينما يغيب الدور الرقابى الحقيقى الذى يضمن أن تكون هذه الزيادات مبررة ومنطقية .

 

الخاسر الأكبر

 

وقال : النتيجة أن الفئات محدودة الدخل وأصحاب المرتبات الثابتة هم الأكثر تضررًا، لأن دخولهم لا تتحرك بالسرعة نفسها التى تتحرك بها الأسعار مؤكدا أن الموظف الحكومى أو العامل بأجر يومى هو الخاسر الأكبر، إذ تتآكل قدرته الشرائية يومًا بعد يوم.

وشدد «دلاور» على أن الأزمة الاقتصادية لا تُقاس فقط بالأرقام والنسب المئوية، بل بما تخلّفه من آثار اجتماعية ونفسية على المواطنين، حين يعمل الإنسان طوال اليوم ولا يكفى دخله لتلبية احتياجاته الأساسية، تبدأ حالة من الإحباط الجماعى، ويشعر كثيرون أن المستقبل لا يحمل لهم شيئًا أفضل.

وحذر من أن الضغوط الاقتصادية المتراكمة تولّد شعورًا عامًا بالقلق وانعدام الثقة، وتجعل الأسر المصرية تعيش فى ترقّب دائم لأى زيادة جديدة قبل أن تتأقلم مع الزيادة السابقة، ما يخلق حالة من التوتر المستمر فى الشارع.

وطالب «دلاور» حكومة الانقلاب بمراجعة آليات التسعير وتخفيف حدة القرارات المتتابعة، مؤكدًا أن معالجة الأوضاع الاقتصادية لا يجب أن تأتى فقط عبر الأرقام، بل عبر رؤية شاملة توازن بين الإصلاح المالى والعدالة الاجتماعية، حتى لا يتحول الغلاء إلى أزمة ثقة بين المواطن ودولة العسكر.