بعد سرقة السوار الذهبي من المتحف المصري قبل أسابيع وتسييحه، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا أرشيفية للوحة حجرية أثرية نادرة بسقارة – الهرم، مطالبين بفتح تحقيق موسّع، ومعبرين عن استيائهم من تكرار حوادث مشابهة.
وكانت البعثة الإنجليزية قد توقفت عن العمل منذ عام 2019 بسبب جائحة كورونا، وعادت مؤخرًا لاستئناف التنقيب في المقبرة، وأثناء أعمال الجرد والتوثيق داخلها لاحظ أعضاء البعثة اختفاء اللوحة المعروفة باسم "لوحة الفصول"، وهي قطعة أثرية نادرة من الحجر الجيري.
وأخطرت البعثة المجلس الأعلى للآثار، الذي شكّل لجنة برئاسة الدكتور عمرو الطيبي لجرد محتويات المقبرة بدقة.
وقال الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن الواقعة أُحيلت إلى النيابة العامة فور اكتشافها، مؤكدًا أن المقبرة كانت مغلقة منذ عام 2019، مما يثير تساؤلات حول كيفية اختفاء اللوحة.
وفسّر الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، في تصريحات تلفزيونية، اختفاءها بأنه "مؤشر خطير على ضعف الرقابة في بعض المخازن الأثرية"، مطالبًا بجرد شامل لكل القطع المحفوظة في سقارة.
ووصف شاكر اللوحة بأنها "كنز أثري نادر"، منتقدًا ضعف الرقابة على المخازن الأثرية.
وقالت الدكتورة بسمة حجازي، باحثة في التراث المصري، عبر منصات التواصل، إن "اختفاء لوحة موثقة علميًا منذ خمسينيات القرن الماضي يُعد كارثة ثقافية"، وطالبت بتفعيل الرقابة الرقمية على المواقع الأثرية.
أما الدكتور أحمد صالح، مؤرخ متخصص في آثار الدولة القديمة، فأشار إلى أن اللوحة كانت تُستخدم كمصدر مرجعي في دراسة فصول السنة الزراعية في مصر القديمة، وأن فقدانها يُضعف من القيمة العلمية للمقبرة.
وبعد تأكيد اختفاء اللوحة، أُحيل الأمر إلى النيابة العامة لبدء التحقيق في ملابسات السرقة.
عمل البعثات
تعمل البعثة الإنجليزية في عدة مواقع أثرية في مصر، أبرزها سقارة، لكن العدد الإجمالي لمواقعها غير محدد بدقة، وهي واحدة ضمن أكثر من 250 بعثة أجنبية من 25 دولة تعمل في أنحاء مصر، موزعة على جميع المحافظات الـ27.
والدول المشاركة تشمل: إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة، اليابان، الصين، وغيرها.
ومن أبرز مواقع عمل البعثة الإنجليزية منطقة سقارة، ومن المرجح وجودها أيضًا في الجيزة، الأقصر، وأسوان، نظرًا لأهمية هذه المواقع في علم المصريات.
ويفترض أن تخضع جميع البعثات الأجنبية لإشراف اللجنة الدائمة للبعثات الأجنبية التابعة للمجلس الأعلى للآثار، والتي تضع شروطًا صارمة لعملها، منها وجود مفتش آثار مصري وشرطي آثار في كل موقع.
سرقات كثيفة
يُعد حجم سرقات الآثار في مصر مقلقًا، خاصة مع وجود أكثر من مليوني قطعة أثرية مكدسة في المخازن، بعضها غير موثق أو غير مفهرس، مما يجعلها عرضة للفقد أو السرقة دون اكتشاف سريع.
ويبلغ عدد المخازن الأثرية في مصر نحو 72 مخزنًا، منها 35 مخزنًا متحفيًا، و20 مخزنًا لآثار البعثات الأجنبية، و17 مخزنًا فرعيًا في المواقع الأثرية بالمحافظات. ويُقدَّر عدد القطع الأثرية المخزنة بأكثر من مليوني قطعة.
وتُعد سرقة لوحة "خنتي كا" من سقارة، المسجلة علميًا منذ خمسينيات القرن الماضي، الحادث الثاني خلال أقل من شهر بعد سرقة سوار ذهبي أثري من المتحف المصري، حيث تم إذابته وبيعه لأحد الصاغة، والمتورطة كانت أخصائية ترميم.
وتتمحور أسباب تكرار السرقات في غياب الجرد الدوري للمخازن – رغم أنه يفترض أن يتم سنويًا – وضعف منظومة التأمين، خاصة في المواقع المغلقة منذ سنوات، وعدم وجود قاعدة بيانات رقمية موحدة لتتبع حركة القطع الأثرية، واعتماد طرق بدائية في تسجيل وتأمين الآثار، كما أشار الدكتور زاهي حواس.
ويرى الخبراء أن القطع غير المسجلة أو غير المفهرسة هي الأخطر، لأنها إذا سُرقت فلن يمكن استردادها أو حتى إثبات وجودها سابقًا.
وتعود لوحة "خنتي كا" إلى عصر الأسرة الخامسة في الدولة القديمة، وكانت محفوظة داخل مقبرة الوزير المصري القديم خنتي كا، الواقعة شمال هرم الملك تيتي في منطقة سقارة.
وتتميز اللوحة المصنوعة من الحجر الجيري بأبعاد حوالي 40 × 63 سم، ومنقوش عليها فصول السنة الثلاثة، وتُعد من أبرز الأعمال التي توثق الحياة اليومية والطقوس الزراعية والدينية في مصر القديمة. والمقبرة تُعد جزءًا من شارع المقابر الذي يضم مصاطب كبار المسؤولين في الدولة القديمة مثل "مري" و"كاجمني".
وقد نُشرت اللوحة علميًا منذ عام 1952، وتُعد مرجعًا هامًا لفهم الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ذلك العصر.
وعلّق الناشط عمرو عبد الهادي (@amrelhady4000) قائلًا:
"فين الأشخاص اللي كانوا متفاجئين من سرقة أسوِرة يمكن أن يخبّئوها في الجيب؟ اجمعوا هنا، المرة دي اللي اتسرقت لوحة حجرية أثرية من معبد خنتي كا في منطقة سقارة! تخيلوا، سقارة التي تُعد من أهم المناطق الأثرية في الهرم، المنطقة التي سُلّمت لمجموعة يرأسها نجيب ساويرس لتطوير المنطقة. هل يمكن أن تتخيلوا صوت المنشار الكهربائي وهو يقطع الحجر في منطقة أثرية بهذا الحجم؟!"
وأضاف:
"كيف لم يُلاحظ أحد؟ أليس هناك كاميرات مراقبة في مثل هذه المواقع الأثرية الحساسة؟!.. وده طبعًا نتيجة تصريح #السيسي اللي قال فيه إن الفساد مش الخطر الأكبر على مصر".