تُعدُّ الصين الشريك التجاري الثالث لإسرائيل بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع زيادة مستمرة في حجم التبادل التجاري الذي وصل إلى عشرات المليارات من الدولارات في السنوات الأخيرة، الصين تستثمر بكثافة في إسرائيل، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية مثل الموانئ والمطارات، وقطاع السيارات الكهربائية الذي سيطر فيه الصينيون على أكثر من 70% من السوق الإسرائيلية في 2024، ويوجد في ”إسرائيل” قرابة عشرين ألف عامل صيني، ما يعكس التكامل العملي بين البلدين.
وخلال الحرب الشرسة في عْزة، التي تصاعدت بعد 7 أكتوبر 2023، صدرت الصين 19 مليار دولار من الموارد إلى الكيان، متجاوزة الدعم الأمريكي البالغ 9 مليارات دولار.
الأكاديمية د.رزان شوامرة، تؤكد أن الصين تمارس سياسة "حياد منحاز" في تعاملها مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حيث تدعم اقتصادياً وعسكرياً ”إسرائيل” وتمتنع عن دعم إيران والفلسطينيين بشكل فاعل، مع علاقات اقتصادية متصاعدة، رغم خطابها الرسمي المناصر للفلسطينيين.
سياسات الصين بالشرق الأوسط
وأوضحت "شوامرة" أن الصين لا تتبنى سياسة محايدة حقيقية في قضايا الشرق الأوسط، بل تمارس ما تصفه بـ"الحياد المنحاز"، حيث تميل عملياً إلى دعم ”إسرائيل” اقتصادياً وعسكرياً دون إعلان موقف صريح يدعم الفلسطينيين، الصين تتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وتحرص على حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية، ما يجعلها متحفظة في مواقفها الرسمية حيال الأزمات الإقليمية، خاصة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل
وتستثمر شركات صينية في مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتمتلك حصصاً في شركات إسرائيلية تعمل ضمن المستوطنات، مثل شركة تنوفا الزراعية، يشير هذا الاستثمار إلى أن الاقتصاد الصيني ينمو داخل منظومة الاحتلال الإسرائيلي، ما يعكس انحيازاً فعلياً يتناقض مع الخطاب الصيني الرسمي.
وأشارت رزان شوامرة إلى أن الصين بدأت علاقاتها مع ”إسرائيل” منذ السبعينيات عبر علاقات سرية، وانتقلت منذ عام 1992 إلى تطبيع كامل للعلاقات، في الوقت ذاته، تم تقليص الدعم الصيني للفلسطينيين، ويُعتمد خطاب موازن يساوي بين ضحايا الاحتلال وردود المقاومة، ما يشير إلى تحول في الخطاب الرسمي من دعم حركات التحرر إلى توصيفات تراعي المصالح الإسرائيلية.
وتنفي الدكتورة وجود تحالف عسكري أو دعم صيني مباشر لإيران، مؤكدة أن بكين تراعي العقوبات الأمريكية، وتخشى خسارة أسواقها الأوروبية والأمريكية، وبالتالي تحد من تبني مواقف تصادم واشنطن.
وتصف شوامرة سياسة الصين بأنها تسعى إلى الإيحاء بدعم شامل للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، لكنها في الواقع تُعزز مصالحها مع ”إسرائيل” وتجني فوائد استثمارية وتجارية ضخمة، مما يجعل موقفها "حياداً منحازاً" بدلاً من حياد عادل.
وتدور أبحاث الدكتورة رزان شوامرة حول التناقض بين الخطاب الصيني الرسمي الذي يعلن دعم حقوق الفلسطينيين، وبين السياسات الفعلية التي تعزز علاقات متينة مع إسرائيل، اقتصادياً وسياسياً، في إطار سعي الصين للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والتجارية في الشرق الأوسط، هذا يشكل تحولا مهمًا في السياسة الصينية التي تلعب لاعباً مركزياً في المنطقة دون الانخراط في النزاعات بشكل مباشر، مع تأثيرات كبيرة على القضية الفلسطينية والعلاقات الإقليمية.
razan shawamreh – Independent Researcher
التعاون بين الصين والكيان يمتد إلى مجالات اقتصادية وسياسية، الصين تستثمر في المستوطنات غير الشرعية، حيث أشار تقرير الأمم المتحدة إلى 10 شركات صينية، ثمانٍ مملوكة للدولة، ضمن 112 شركة تتعامل مع المستوطنات.
على سبيل المثال، تمتلك الصين 56% من شركة "تنوفا" التابعة للكيان، التي تبيع 70% من منتجاتها في المستوطنات، وفازت في 2021 بمناقصة لبناء 22 خط مواصلات بين مستوطنات القدس ومدن الكيان، مما يعزز البنية التحتية للاحتلال.
كما اشترت شركة صينية خاصة شركة "أهافا" لمستحضرات التجميل في مستوطنة بالأغوار، رغم حملات المقاطعة الدولية.
شركة "ها آدما" الصينية المملوكة للدولة قدمت أموالاً لمستوطني غلاف عْزة خلال الإبادة، مما يظهر دعمًا مباشرًا لسياسات الاحتلال.
في المجال التكنولوجي، يعتبر الكيان سوقًا استراتيجيًا للصين.
يمتلك الكيان خمس ممثليات في الصين وحرمًا جامعيًا مستقلًا، واستحوذت الصين على مراكز أبحاث متقدمة تابعة للكيان، مما يعزز التعاون العلمي والاقتصادي.
وإسرائيل معروفة بتركيزها العالي على البحث العلمي والتطوير التقني، وخاصة في مجالات "هاي تك" المتقدمة كالرقائق الدقيقة، التكنولوجيا المالية، والأمن السيبراني. الصين، بدورها، تستفيد من التكنولوجيا الإسرائيلية لتعزيز صناعاتها المتطورة، حيث يتدفق رأس المال الصيني إلى المشاريع الناشئة وشركات التقنية الإسرائيلية عبر استثمارات مشتركة وشراكات استراتيجية، هذا التعاوُن يؤسس لتكامل يجمع بين براعة الابتكار الإسرائيلية والقوة التصنيعية والمالية الصينية.
السياسة والتوازن الأمني
رغم التقارب الاقتصادي، تحافظ ”إسرائيل” على سياسة حذرة، تحترم التعاون مع حليفها الرئيس الولايات المتحدة، خاصة في المجالات التي تتصل بالأمن القومي والتكنولوجيا الدفاعية. تقوم الحكومة الإسرائيلية بتقييم مستمر للعلاقات مع الصين، مع سعي لتعزيز الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة للحفاظ على التوازن بين الاستفادة من الصين وحماية مصالحها الوطنية.
الاستثمار والبنى التحتية
تزداد الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الإسرائيلية رغم الضغوط الأمريكية، مع دخول الصين في مشاريع تطوير محطات تحلية المياه والبنية التحتية للاتصالات. الصين تستفيد من الموقع الجغرافي لإسرائيل، وكونها مطابقة للمعايير الأوروبية والأمريكية لدخول الأسواق العالمية.
العلاقات الثقافية والعلمية
تتطور العلاقات الثقافية والعلمية بين البلدين من خلال التبادلات الثقافية، والمراكز العلمية، إضافة إلى منتديات ومؤتمرات تعزز التعاون والابتكار المشترك.
وتركز العلاقات الصينية الإسرائيلية على المكاسب الاقتصادية والتقنية، مستندة إلى مبدأ المنفعة والبراجماتية، مع الحذر السياسي والأمني نتيجة التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية، ويستمر التعاون في التوسع بفضل الروابط العلمية والتجارية التي تعزز مكانة الطرفين في الأسواق العالمية
موقف الصين الرسمي من الحرب على غزة
منذ اندلاع الحرب بين حركة حماس و"إسرائيل" في أكتوبر 2023، اتخذت الصين موقفاً واضحاً في دعم الفلسطينيين، مع رفضها لاستهداف المدنيين في غزة واتهامها ”إسرائيل” بتجاوز حق الدفاع عن النفس إلى عقاب جماعي للفلسطينيين.
كاتب المحتوى على فيسبوك (محمد الفاتح) تناول ما أسماه "وعد بلفور الصيني؟." مذكرا أن الصين ساهمت مع الكيان في حرب 1948م وفي حلقة من بودكاست عربي بوست بعنوان "الصين والصـهـيونية"، كشفت الدكتورة رزان شوامرة، الأكاديمية الفلسطينية المتخصصة بالشأن الصيني، عن دعم صيني مبكر للحركة الصهيونية، أطلقت عليه "وعد بلفور الصيني".
ويعود هذا المصطلح إلى عام 1920، عندما أرسل عزرا خضوري، رئيس جمعية شنغهاي الصـهـيونية، رسالة إلى صن يات سين، الرئيس الأول لجمهورية الصين، طالبًا دعمًا لإقامة وطن قومي لليهـود في الأرض المباركة، مستندًا إلى وعد بلفور البريطاني عام 1917.
ورد "صن يات سين" برسالة أكد فيها تعاطفه مع الحركة الصـهـيونية، واصفًا إياها بـ"إحدى أعظم الحركات في عصرنا"، مشيدًا بهدفها لاستعادة "أمة يـهـودية عريقة" ساهمت في الحضارة العالمية.
وأشار إلى أن هذا الموقف يمثل أول تعبير رسمي عن دعم صيني للصهيونية، وهو ما سمته الدكتورة رزان "وعد بلفور الصيني".
التعاون لم يتوقف عند الرسائل.
المكاتب الصهيونية في بكين
وأضاف أنه في العشرينيات، فتحت مكاتب صـهيونية في الصين، وفي الأربعينيات، طلب مردخاي أولمرت، والد رئيس وزراء الكيان الأسبق إيهود أولمرت، دعمًا عسكريًا وماليًا من مسؤولين صينيين لتعزيز الحركة الصـهـيونية.
وبحلول عام 1947، تلقت الحركة أموالاً من الصين، وفي 1948، أُرسل يـهود مدربون عسكريًا من الصين إلى الأرض المباركة مع أسلحة حصلوا عليها من العسكريين الصينيين، مما ساهم بشكل مباشر في النكبة.
وخلص على أن هذا الدعم يظهر أن الصين لم تكن مجرد مراقب، بل شريكا فعالا في الأحداث التي مهدت لتأسيس الكيان.
وسياسيًا، تبنت الصين خطابًا يدعم السردية الصـهـيونية، مثل الإشارة إلى "يـهـودية الدولة".
في نوفمبر 2024، كتب السفير الصيني في أم الرشراش المحتلة مقالاً تحدث فيه عن "فصل جديد" في العلاقات الصينية مع الكيان، متجاهلاً الإبادة في عْزة، وأدان هجوم المقاومة في 7 أكتوبر دون الإشارة إلى السياق الاستعماري للصراع.
منذ التطبيع في 1992، تتبع الصين استراتيجية "الحياد المنحاز"، كما يتضح من مقترح النقاط الخمس عام 1989، الذي طالب باحترام "المخاوف الأمنية" للكيان، متجاهلاً القانون الدولي الذي يحمل الكيان مسؤولية حماية أهل الأرض المباركة.
هذا الخطاب يعكس انحيازًا واضحًا للكيان.
وأضاف أن الصين تتجنب دعم إيران في مواجهتها مع الكيان خوفًا من مواجه الولايات المتحدة، مما يؤكد أن مصالحها الاستراتيجية تأتي على حساب القضية. وعلى عكس التصور العربي بأن الصين داعمة للأرض المباركة أو محايدة، فإن الأدلة تثبت أن الصين لعبت دورًا مباشرًا في دعم الصـهــيونية منذ عشرينيات القرن الماضي عبر "وعد بلفور الصيني" والدعم العسكري والمالي في حرب النكبة 1948م.
واشار إلى أن الصين تواصل تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الكيان، مستثمرة في المستوطنات ومتجاهلة جرائم عْزة، وأن خطابها السياسي يدعم الكيان، وتتجنب المواجهة مع أمريكا، مما يكشف أن الصين ليست في صف أهل الأرض المباركة، بل تسعى لتعزيز نفوذها العالمي على حساب العدالة وحقوقهم.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=3391572550985921&set=a.289892634487277