تعنّت مع الصحفيين والسياسيين .. قضاء تابع وتعليمات أمنية وسط صمت حقوقي رسمي وانتقادات دولية

- ‎فيتقارير

 

تواصل السلطات القضائية بعصابة الانقلاب ، نهج الحبس الاحتياطي غير المحدود، وتجديده تلقائيًا دون تحقيقات أو مثول للمحتجزين، في ما وصفه حقوقيون بانهيار لمبدأ استقلال القضاء، وتحول وكلاء النيابة إلى مجرد منفذين لتعليمات ضباط جهاز الأمن الوطني، خاصة في القضايا السياسية وقضايا الرأي.

 

ففي أحدث حلقات هذا النمط القمعي، قررت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة في مجمع سجون بدر، الأربعاء الماضي، تجديد حبس عدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين لمدة 45 يوماً لكل منهم، على ذمة قضايا تتسم باتهامات مكررة، وحضور صوري للمحتجزين عبر "الفيديو كونفرانس"، دون إجراء أي تحقيقات جديدة.

 

تدوير منهجي.. واتهامات مكررة

أبرز المجدد حبسهم كان الصحفي خالد ممدوح محمد، مدير تحرير قناة MBC مصر، الذي اعتُقل من منزله منتصف يوليو/تموز 2024، واختفى قسرياً لأيام قبل أن يظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا متهماً بـ"الانضمام وتمويل جماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة" في القضية رقم 1282 لسنة 2024. ورغم مطالبات أسرته ونقابة الصحفيين بالكشف عن مكان احتجازه وتمكين محاميه من مقابلته، فإن السلطات تجاهلت النداءات، فيما نُقل للمحكمة عبر تقنية الفيديو دون تحقيق جديد.

 

في السياق ذاته، جُدد حبس محمد القصاص، نائب رئيس حزب "مصر القوية"، في قضية ثالثة منذ اعتقاله، رغم صدور حكم نهائي ضده في قضية سابقة. أما الناشط المعروف أحمد حمدي السيد سليمان (جيكا)، فاستمر حبسه في واحدة من عدة قضايا خضع لها بذات الاتهامات، ما يرسخ ظاهرة "التدوير القضائي" التي اعتبرتها منظمات حقوقية "نهجاً لتعطيل العدالة وإبقاء المعارضين في السجون بلا سند قانوني فعلي".

 

عقوبات بسبب منشورات فيسبوك

القائمة شملت كذلك مواطنين لا علاقة لهم بالعمل السياسي المباشر. إذ جُدد حبس نورهان دراز (54 عاماً)، المتقاعدة من وزارة الشؤون الاجتماعية، على خلفية منشور في "فيسبوك" انتقدت فيه الوضع السياسي والاقتصادي. وأُخفِيت قسرياً لأكثر من 12 يوماً، مُنعت خلالها من تلقي أدويتها، رغم إصابتها بأمراض مزمنة، وفقاً لأفراد أسرتها الذين تقدموا ببلاغات عاجلة للنائب العام دون رد.

 

تعنّت خاص مع الصحفيين

في مؤشر على تصاعد القمع الإعلامي، تكرر السيناريو ذاته مع الصحفية فاطمة الزهراء غريب التي اعتُقلت بسبب كتابات على جدران عامة، والصحفي أحمد بيومي الذي اختفى قسرياً لمدة 47 يوماً قبل ظهوره في نيابة أمن الدولة. وقد نددت نقابة الصحفيين باعتقاله، مشيرة إلى "حملة أمنية ممنهجة تستهدف العاملين في الصحافة"، لكنها لم تتخذ خطوات تصعيدية ملموسة لحماية أعضائها، ما يعكس ضعف الدور النقابي في ظل النظام الحالي.

 

صمت حقوقي رسمي.. وانتقادات دولية

في الوقت الذي تتجاهل فيه المجالس الوطنية لحقوق الإنسان هذه الانتهاكات أو تبررها بخطابات فضفاضة عن "الأمن القومي"، عبّرت منظمات دولية عن قلقها المتزايد من الأوضاع الحقوقية في مصر. وقالت منظمة العفو الدولية في تعليق سابق على وقائع مشابهة:

 

"السلطات المصرية تستخدم الحبس الاحتياطي المطول وسيلة لمعاقبة المعارضين، فيما تتحول النيابة العامة إلى أداة في يد الأجهزة الأمنية، في انتهاك صارخ لمبادئ المحاكمة العادلة".

 

في حين شدد الخبير الحقوقي المصري نجاد البرعي على أن "ما يحدث في قاعات التجديد عبر الفيديو كونفرانس هو إجراء عبثي، يُظهر أن العدالة في مصر أصبحت شكلية ومفرغة من مضمونها، وأن التعليمات باتت تُؤخذ من ضباط الأمن الوطني، لا من نصوص القانون".

 

تدوير بلا نهاية.. والضحية المواطن

النمط المتكرر في جميع الحالات يتمثل في احتجاز طويل بلا تحقيقات، اتهامات فضفاضة، استخدام تهم الإرهاب كسيف مسلط على أي صوت معارض، ومنع التواصل مع المحامين والأسر، وسط غياب أي رقابة قضائية فعالة.

 

وبينما يعاني الصحفيون والمعارضون من التدوير والاختفاء القسري، لا يُتوقع أن يتغير هذا المسار في ظل تغوّل الأمن على القضاء، وتراجع دور المؤسسات الرقابية والنقابية، ليبقى المواطن المصري هو الضحية الأبرز في مشهد تنعدم فيه العدالة، وتُغتال فيه استقلالية القضاء والنيابة على يد الأمن الوطني.