الرقص على أنغام الدبابة.. الانتخابات الراقصة بدعة الانقلاب

- ‎فيتقارير

“هل يجوز إجراء الانتخابات الرئاسية بدون رقص”؟ سؤال يشغل بال أكثر المشاركين في مسرحية انتخابات قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، الذين أعطوا ديمقراطيات العالم، درسا في الوطنية الراقصة على أنغام المكايدة السياسية، حتى تحولت الانتخابات إلى سلعة رخيصة يستأجر فيها النظام أرداف بعض الانتهازيين للرقص على جثة الوطن وصورته أمام العالم، الذي ينظر لهذه البدعة بدهشة كبيرة، متسائلا: ” ما العلاقة بين الرقص وعملية الانتخابات التي يتم فيه الاختيار ما بين مجموعة من المرشحين”؟

لا يعبأ نظام السيسي بتقديم هذه الصورة المثيرة للسخرية، بل يدعم هذه الظاهرة، ويحض عليها، من خلال الأغاني الصاخبة التي تستفز أجساد النساء، ليضحى المشهد في حقيقته على غرار موسيقى الملحمية وطبول الحرب، التي تعلن عن مشهد الدماء وآكلي لحوم البشر، وتنتقل مصر إلى حالةٍ من اللوثة القومية على إيقاع الدفوف والموسيقى النحاسية الصاخبة، فيما يشبه حلقات الزار في الثقافة الشعبوية القديمة، تلك التي تستهدف إنهاك الجموع بالرقص العنيف، حتى الغيبوبة، ومن ثم تسهل الهيمنة عليهم.

في مشاهد ما تسمى الانتخابات، أنت أمام عملية تخدير على نطاق واسع، تجري بتقنية الرقص على موسيقى زاعقة، تنبعث من أهازيج عسكرية صاخبة، تستحضر العدو خطراً محدقاً بالوطن والمواطنين، ومع تصاعد الإيقاع يسري الخدر في الراقصين والراقصات، إلى أن تأتي لحظة يكون التصويت والهتاف فيها للعساكر الذين يحمون الوطن الافتراضي من الموت، لا لمرشح سياسي ينافس ظله.

استعدادات راقصة

وكعادة نظام السيسي استعدت اللجان بممكبرات الصوت وتشغيل الأغاني السيساوية “تسلم الأيادي” لاستقبال النساء الناخبات الباحات عن فرصة لإظهار مواهبهن، بعد أن انتهت وصلة الرقص في لجان انتخابات المصريين خارج الدولة المصرية وخاصة في دولتي البحرين والإمارات العربية والسعودية، على أنغام “سيد مغربي دبابة وقالوا إيه علينا”، ليصبح التصويت للجيش والشرطة، اللذين يحلان في شخص عبد الفتاح السيسي، الذي يصير، في تلك اللحظة المعبأة بالهستيريا، هو الجندي المقاتل وطفل الشهيد وتراب الوطن.

ظاهرة بدأت مع الانقلاب

ولم تعرف مصر الرقص على أبواب اللجان الانتخابية، وأسلوب المكايدة السياسية والأغاني التي تدعو المواطنين للتصويت في الانتخابات إلا مع ظهور عبد الفتاح السيسي.

كانت البداية مع دعوات السيسي المصريين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور عام 2013 بعد الانقلاب، واستخدم النظام آنذاك الرقص في مراكز الاستفتاء للتغطية على حجم المشاركة، وحثّ المواطنين على التوجه للإدلاء بأصواتهم، فتحولت مراكز الاقتراع إلى ساحات رقص كبيرة، واستبدل الحديث عن مواد الدستور وقدرتها على تحقيق أحلام المصريين في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بالحديث عن أي اللجان شهدت رقصا أكثر.

لم تنته وصلات الرقص أمام مراكز الاقتراع عند الاستفتاء، بل امتدت لتصل الحالة إلى مسرحية الانتخابات الرئاسية التي نظمت عام 2014، حيث حول مؤيدي السيسي مراكز الانتخابات لساحات رقص ومكايدة سياسية لمنافسه في ذلك الوقت المرشح اليساري حمدين صباحي.

تخيل كثيرون أن هذه الحالة التي شهدتها مصر لن تتكرر هذه المرة، خاصة أن الانتخابات الرئاسية هذا العام لن تشهد منافسة وباتت نتائجها محسومة، في ظل عدم وجود مرشحين أقوياء في الانتخابات، واقتصار الأمر على السيسي والمرشح الكومبارس موسى مصطفى موسى.

إلا أن الرقص تكرر، لكن هذه المرة ليست للمكايدة بقدر ما هو محاولة للتغطية على حجم المشاركة الهزيلة في ظل عزوف المواطنين المغتربين عن الإدلاء بأصواتهم في الاقتراع الذي جرى في الخارج الأسبوع الماضي.

السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، خاصة في دول الخليج العربي، تحولت إلى ساحات رقص على أنغام أغنية «قالوا أيه» الخاصة بالصاعقة المصرية. الغريب أن الأغنية من المفترض أنها تتحدث عن ضحايا الجيش المصري في حربه على الإرهاب، لكن ذلك لم يمنع مؤيدي السيسي من التمايل يسارا ويمينا على أنغامها.

لم يقتصر الأمر على مراكز الاقتراع، فلم يخلو مؤتمر دعائي نظمه مؤيدو السيسي من الرقص فيما يعرف بالمكايدة السياسية، ما أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.