مع الحديث عن الزيادة المرتقبة في أسعار الوقود مجددًا للمرة الرابعة على التوالي، لم تتضح آثار خفض الدعم الذي اتجه إليه قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي استجابة لشروط الـ12 مليار دولار التي حصل عليها من صندوق النقد الدولي، على المواطنين من حيث حدوث أي تقدم في الموازنة العامة أو مستوى المعيشة.
وتساءل الباحث الاقتصادي مصطفى عبد السلام، خلال مقاله على صحيفة “العربي الجديد”، اليوم الجمعة، “أين الوفر الذي حدث في فاتورة استيراد النفط والمشتقات البترولية، علما أن هذا الوفر يقدر بعشرات المليارات من الجنيهات؟ إذ باعتراف الحكومة نفسها فإن أي زيادة في سعر برميل البترول بقيمة دولار واحد تكلف الموازنة العامة للدولة عبئا ماليا بقيمة 4 مليارات جنيه، أي ما يعادل 222 مليون دولار، وبالقياس فإن أي انخفاض في أسعار النفط يوفر للموازنة العامة هذه القيمة.
وقال عبد السلام: إنه منذ بداية شهر أكتوبر الماضي، موعد اغتيال خاشقجي، وأسعار النفط تواصل انخفاضها لعدة عوامل، من أبرزها إغراق السعودية الأسواق العالمية بالنفط تحت ضغوط شديدة من ترامب، وزيادة المعروض من النفط مع تراجع الطلب، واستمرار صادرات إيران النفطية رغم فرض العقوبات الأمريكية على طهران، وزيادة الإنتاج العالمي من النفط وخاصة الصخري، والتوترات في الاقتصاد العالمي على خلفية الحرب التجارية بين أكبر اقتصاديْن في العالم وغيرها.
سعر النفط
يذكر أن سعر النفط بلغ نحو 88 دولارا في بداية أكتوبر الماضي، أما الآن فيبلغ 53 دولارا، والسعر يقترب حاليا من أدنى مستوياته في 18 شهرا، بل وصل إلى حاجز الـ50 دولارا في بعض الأيام الماضية، وهو ما يعني أن أسعار النفط فقدت 40% من قيمتها في أقل من 3 أشهر، وهذا التهاوي انعكس إيجابًا على الدول المستوردة، ومنها مصر وتونس والمغرب والأردن والعديد من الدول العربية، كما قلصت العجز في موازنات الدول المستهلكة، بحسب عبد السلام.
في الوقت الذي كان المستهلك المصري يتوقع خفضًا في أسعار البنزين والسولار بسبب تهاوي أسعار النفط، على غرار الخفض الذي جرى في العديد من الدول، خاصة أن موازنة مصر لعام 2018/ 2019 قدرت سعر البرميل بـ67 دولارا، وهو ما يعني وفرا بـ14 دولارًا للبرميل الواحد.
الأرقام الرسمية
وذهب عبد السلام إلى الأرقام الرسمية التي أكدت أن هذا الخفض في سعر النفط عالميًّا يوفر للموازنة المصرية نحو 56 مليار جنيه سنويا، إلا أنه لم ينس أن يضع في الاعتبار الفترات التي شهدت ارتفاعا في سعر النفط خلال الربع الأول من العام المالي الجاري ( يوليو- سبتمبر)، وهو ما يخفض رقم الوفر المالي، لكن على أي حال هناك وفر مالي ضخم حدث في الموازنة العامة للدولة بسبب تهاوي أسعار النفط، ومع ذلك الحكومة لم تتحدث عن هذا الوفر رغم أنها تحدثت كثيرا عن الأعباء التي تتحملها الموازنة بسبب زيادة أسعار النفط في شهور سابقة.
وأوضح أن تهاوي أسعار النفط سينعكس على الميزان التجاري لمصر، إذ حسب الأرقام فإن كل 10 دولارات زيادة في سعر البرميل تزيد عجز الميزان الجاري بين مليار إلى 1.2 مليار دولار.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى حملات إعلام الانقلاب قبل شهور للحديث عن التأثيرات الخطيرة لزيادة أسعار النفط، وكانت مانشيتات الصحف صادمة للمصريين، وتوحي بنيّة الحكومة إجراء زيادات كبيرة في أسعار المشتقات البترولية.
ومع تهاوى سعر البترول عالميا رغم اتفاق كبار منتجي النفط من داخل منظمة أوبك وروسيا على خفض الإنتاج بـ1.2 مليون برميل يوميا، وتوقعات كبار بنوك الاستثمار العالمية باستمرار هذا الهبوط في عام 2019، لم يذكر إعلام الانقلاب من بعيد أو قريب تهاوي أسعار النفط عالميا.
المواطن المصري
وتساءل: هل يستفيد المواطن المصري بعضًا من هذا التراجع الحادّ في الأسعار؟ أم ستواصل الحكومة تهديد المستهلك بزيادة أسعار المشتقات البترولية وفي مقدمتها البنزين والسولار، باعتبار أن ذلك يعد شرطًا من شروط كبار المقرضين، مقابل صرف الشرائح الجديدة من القروض؟ وإذا كانت الحكومة قد تحدثت عن الكلفة التي تتحملها الموازنة العامة في حال زيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية، فهل تفصح عن قيمة الوفر المالي الذي سيتحقق نتيجة فقدان الأسعار 40% من قيمتها؟ وأين يذهب هذا الوفر الضخم؟ ولماذا لم ينعكس إيجابًا على أرقام الموازنة العامة للدولة؟.