لم تكن حديقتا الحيوان والأورمان مجرد مساحات خضراء أو أماكن للترفيه، بل كانتا رمزاً لحق الفقراء في الاستمتاع بقدر من الترفيه مقابل جنيه واحد أو أقل. اليوم، ومع مشروع التطوير الذي ترعاه حكومة السيسي عبر تحالف استثماري تقوده مؤسسات أمنية وعسكرية، يتحول هذا الحق إلى امتياز حصري لمن يستطيع دفع مئات الجنيهات، ليُقصى الفقراء من آخر متنفس شعبي كان في متناولهم.
من متنفس شعبي إلى مشروع استثماري
– الاجتماع الرسمي: رئيس الحكومة مصطفى مدبولي اجتمع مع وزراء ومسئولين عسكريين لمتابعة تنفيذ مشروع التطوير، مؤكداً أن الإدارة ستكون "محترفة" عبر القطاع الخاص، أي أن الهدف لم يعد خدمة المواطنين بل حماية الاستثمارات.
– التحالف الاستثماري: يقوده جهاز الإنتاج الحربي ويضم شركات أجنبية وإقليمية، إضافة إلى شركات مصرية مرتبطة برجال أعمال مقربين من الأجهزة الأمنية، ما يعكس الطابع الاحتكاري للمشروع.
– حق الانتفاع: إدارة الحديقتين لمدة 20 عاماً لصالح شركة تابعة للمخابرات العامة، ما يعني أن القرار الاقتصادي والسياسي يظل بيد الأجهزة السيادية لا بيد المجتمع.
البعد الاجتماعي: إقصاء الفقراء
– إغلاق طويل الأمد: منذ يوليو 2023 أُغلقت الحديقتان أمام الجمهور، مع وعود بالافتتاح في يناير 2025، لكن التأجيل المستمر يعكس غياب أي اعتبار لحق المواطنين في الترفيه.
– رفع الأسعار المتوقع: بعد أن كان الدخول بجنيه واحد، سيصبح الدخول رهناً بتذاكر مرتفعة الثمن، وهو ما يحرم الفقراء من الوصول إلى هذه المساحات العامة.
– الترفيه كامتياز طبقي: في زمن السيسي، يتحول الترفيه إلى سلعة لا يملكها إلا من يستطيع الدفع، بينما يُترك الفقراء بلا متنفس.
البعد السياسي: عسكرة الترفيه
– سيطرة الأجهزة الأمنية: من إدارة المشروع إلى الأمن والحراسة، كل شيء تحت سيطرة شركات مرتبطة بالمؤسسة العسكرية والأمنية.
– إقصاء المجتمع المدني: لا دور للمجتمع أو للهيئات الشعبية في إدارة هذه الحدائق، بل تُدار بمنطق استثماري أمني بحت.
– إعادة إنتاج الهيمنة: حتى في مجال الترفيه، تُفرض هيمنة الدولة الأمنية على الفضاء العام، لتصبح الحدائق رمزاً لسيطرة السلطة لا لحرية المواطن.
البعد التاريخي: تدمير الهوية الشعبية
– حديقة الحيوان: ثالث أقدم حديقة في العالم، كانت رمزاً للتنوع الحيواني في الشرق الأوسط وأفريقيا.
– حديقة الأورمان: من أكبر الحدائق النباتية عالمياً، ارتبطت بتاريخ مصر الحديث.
– التحويل إلى مشروع تجاري: بدلاً من الحفاظ على الهوية الشعبية والتاريخية، يُعاد تشكيلهما وفق معايير استثمارية عالمية، تُقصي المواطن البسيط وتستهدف السائح أو الطبقة المقتدرة.
خاتمة
مشروع تطوير حديقتي الحيوان والأورمان ليس مجرد تحديث عمراني أو بيئي، بل هو تجسيد لسياسة إقصاء الفقراء من الفضاء العام، وتحويل حقهم في الترفيه إلى سلعة باهظة الثمن. في زمن السيسي، حتى الحدائق التاريخية لم تعد ملكاً للشعب، بل أصبحت رهناً بمن يدفع، تحت رعاية لواءات الانقلاب وأذرعهم الاقتصادية والأمنية.
