من الوراق إلى طوسون خريطة واحدة للخراب .. لماذا تُزال البيوت بينما تُحمى مشاريع المستثمرين؟

- ‎فيتقارير

في مشهد يتكرر بانتظام منذ سنوات، يعود ملف الإزالات القسرية إلى الواجهة، وهذه المرة من بوابة منطقة طوسون شرق الإسكندرية، حيث يواجه أكثر من 5 آلاف مواطن شبح التشريد بعد صدور قرار حكومي بنزع ملكية 260 منزلاً و4 مساجد وكنيسة، تحت لافتة إنشاء محور مروري جديد يربط أبوقير بمحور المحمودية.

 

وفي الوقت الذي تُرفع فيه شعارات “التنمية” و”المنفعة العامة”، يطرح الأهالي – ومعهم مراقبون – سؤالاً بات يتردد من رفح إلى الوراق وطوسون وماسبيرو:

لصالح من يُهدم العمر؟ ومن يجني ثمار هذا الخراب؟

 

“طريق من أجل السياحة لا المواطنين”

 

حددت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية 7 ديسمبر الجاري لنظر الطعن المقدم من سكان طوسون ضد قرار نزع الملكية، بعد موجة غضب شعبي واسعة تفجرت منتصف نوفمبر الماضي، عندما اكتشف الأهالي أن منازلهم أصبحت فجأة “عقبة أمام التطوير”.

 

ويؤكد مقدمو الطعن أن المشروع لا يحقق منفعة عامة حقيقية، إذ إن المنطقة تضم طريقاً قائماً بالفعل يفي بالغرض المروري، بينما يخدم المسار الجديد – وفق دفوعهم – مشروعاً سياحياً خاصاً لصالح مستثمرين بعينهم، لا علاقة له بمصلحة سكان المنطقة.

 

وبحسب أوراق الدعوى، فإن معظم المنازل حاصلة على تصالح رسمي ومتصلة بكافة المرافق، ما وصفه فريق الدفاع بأنه “انحراف فجّ في استعمال السلطة، واستخدام للتطوير كغطاء قانوني لنزع الملكيات لصالح البيزنس لا الشعب”.

 

لجنة عسكرية للتهجير… لا للتطوير

 

بداية القصة تعود إلى أبريل الماضي، حين أصدر محافظ الإسكندرية – الفريق أحمد خالد – القرار رقم 88 لسنة 2025، بتشكيل لجنة لحصر التعارضات، ضمت:

 

هيئة المساحة

 

حماية أملاك الدولة

 

إدارة نزع الملكية

 

ومهندسين من القوات المسلحة

 

وهو ما يعكس – بحسب مراقبين – أن ملف الإزالات خرج عملياً من الإطار المدني إلى الإدارة شبه العسكرية، في نمط يتكرر بكل وضوح منذ سنوات.

 

وقُسّمت طوسون إلى ثلاث مراحل، ومع بدء أعمال الحصر، أُبلغ الأهالي أن الإزالة “حتمية”، وأن بقاءهم في منازلهم أصبح مؤقتاً.

 

هكذا ببساطة، يتحول آلاف المواطنين إلى أرقام في كشوف الحصر، لا مواطنين لهم حق السكن والحياة.

 

عندما يتحول الدفاع عن البيوت إلى “جريمة إرهاب”

 

ومع تصاعد التحركات القانونية والشعبية، دخلت الأزمة منحنى أخطر بعد اعتقال عبد الله محمد، المتحدث باسم الأهالي، من مقر عمله بشركة خاصة، ثم ظهوره بعد أيام أمام نيابة أمن الدولة العليا، ليُحبس 15 يوماً احتياطياً على ذمة قضية بتهم جاهزة:

 

التحريض

 

التجمهر

 

الانضمام لجماعة إرهابية

 

وهي التهم ذاتها التي تُلصق – وفق منظمات حقوقية – بكل من يرفع رأسه دفاعاً عن حق أو بيت أو أرض.

 

المفارقة أن عبد الله لم يحمل سلاحاً، ولم يدعُ لعنف، بل شارك في:

 

اجتماعات قانونية

 

تقديم شكاوى رسمية

 

بحث بدائل فنية لمسار الطريق

 

لكن في منطق السلطة، يبدو أن الدفاع عن السكن أصبح تهديداً للأمن القومي.

 

بدائل موجودة… لكن “الأوامر أعلى”

 

يؤكد محامو طوسون أن مكتباً استشارياً هندسياً قدم مساراً بديلاً للطريق يحقق الهدف المروري من دون هدم المنازل أو تهجير السكان، إلا أن الجهات التنفيذية لم تلتفت للمقترح ولم ترد عليه، ما يعزز – بحسب الأهالي – فرضية أن قرار الإزالة سياسي – اقتصادي لا هندسي.

 

ويضيف الأهالي أن ما يُعرض عليهم من تعويضات – إن عُرض – لا يعكس القيمة الحقيقية لممتلكاتهم التي تصل إلى 4 و5 ملايين جنيه للمنزل الواحد، ناهيك عن القيمة الاجتماعية للاستقرار والجوار والعمل.

 

من طوسون إلى ماسبيرو.. سياسة واحدة لا تتغير

 

قضية طوسون لا تُفهم بمعزل عن:

 

رفح التي أُفرغت من سكانها

 

الوراق التي حوصرت

 

ماسبيرو التي مُسحت

 

ومناطق لا تُعد ولا تُحصى

 

النمط واحد:

 

منطقة مأهولة

 

قرار إزالة باسم التطوير

 

مقاومة شعبية

 

اعتقالات وتشويه

 

إخلاء قسري

 

ثم تتحول الأرض إلى مشروع استثماري مغلق لصالح رجال أعمال مقربين، أو جهات سيادية، أو شركات مرتبطة بلواءات سابقين وحاليين.

 

وهنا يطرح السؤال الأخطر:

هل الهدف الحقيقي هو البيع لسداد ديون النظام، أم إعادة توزيع الأراضي بين شبكات النفوذ التي تحمي بقاء السيسي القادم عبر الدبابة؟

 

الخلاصة: التنمية على أنقاض البشر

 

طوسون اليوم ليست مجرد نزاع على طريق، لكنها حلقة جديدة في سلسلة “تنمية بلا بشر”، حيث تُهدم البيوت قبل أن تُبنى العدالة، ويُشرَّد المواطن قبل أن يُسأل عن رأيه.

 

وبينما يتم تسويق المشروعات على أنها “جمهورية جديدة”، يدفع المصريون ثمنها من:

 

بيوتهم

 

استقرارهم

 

حريتهم

 

وأحياناً من حريتهم الشخصية والاعتقال

 

ويبقى السؤال معلقاً:

هل التطوير في دولة السيسي يُبنى بالخرسانة فقط، أم على أنقاض آلاف الأسر؟