في وقتٍ تُصدر فيه المحاكم المصرية أحكاماً قاسية وسريعة في القضايا ذات الطابع السياسي، يبرز مجدداً ملف الانتهاكات الأخلاقية داخل المؤسسات التعليمية، كاشفاً عن فجوة واضحة في أولويات نظام الحكم الذي يضاعف جهده في ملاحقة الأصوات المعارضة بينما تعاني قضايا حماية الأطفال من تراخٍ مؤسسي ورقابي مزمن.
فقد أعلنت النيابة العامة المصرية حبس عدد من المتهمين في واقعة الاعتداء الجنسي على خمسة أطفال في مرحلة رياض الأطفال بإحدى المدارس الدولية في القاهرة، بعد بلاغ تلقته بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني حول جرائم خطف وهتك عرض داخل مدرسة سيدز الدولية في نطاق قسم ثان السلام.
جريمة داخل مدرسة… وغياب رقابة
بحسب بيان النيابة، فإن أربعة من العاملين "المشبوهين" في المدرسة استدرجوا الأطفال إلى أماكن بعيدة عن كاميرات المراقبة، وارتكبوا بحقهم اعتداءات جنسية، مهددين إياهم بسكين لإجبارهم على الصمت.
وأشارت التحقيقات إلى أن فريق النيابة استمع إلى أقوال الأطفال وذويهم وسط إجراءات لحماية السرية، كما تعرف المجني عليهم على ثلاثة من المتهمين، فيما قدّم اثنان اعترافات توافقت مع الأدلة الأولية.
ورصدت النيابة، خلال معاينة مسرح الجريمة، وجود السكين المستخدم في التهديد، إلى جانب تسجيلات مصورة تُظهر أحد المتهمين وهو يشرح كيفية ارتكاب الانتهاك.
كما ضُبطت هواتف المتهمين، وتبيّن احتواؤها على محتوى يدل على "شغف بممارسات جنسية منحرفة".
أطفال بلا حماية… وسلطة تفضّل السياسة
ورغم خطورة الواقعة، يذكّر هذا الحادث سلسلةً ممتدة من القضايا الأخلاقية والانتهاكات داخل المدارس ودور الرعاية، والتي غالباً ما تُواجَه بردود فعل متأخرة، أو تتكشف صدفة عبر البلاغات ووسائل الإعلام.
ويعكس ذلك، بحسب مراقبين، أولوية سياسية واضحة لدى السلطة، التي تشدد قبضتها على الناشطين والمحتجين والصحافيين عبر أحكام قاسية وسريعة، بينما لا تحظى منظومة حماية الأطفال والرقابة على المؤسسات التعليمية بالصلاحيات أو الموارد نفسها.
تحقيقات مستمرة… لكن أين الإصلاح؟
وتتابع النيابة تحقيقاتها، وتشمل فحص محتويات الهواتف، وتحليل الأدلة الرقمية، وتكليف مصلحة الطب الشرعي بكشف طبي على الأطفال والمتهمين، إضافة إلى بحث احتمال تورط آخرين.
كا فتحت تحقيقاً موازياً بشأن "تعريض الأطفال للخطر"، لكن ذلك يظل – وفق منظمات حقوقية – جزءاً من التعامل اللاحق للكارثة، لا معالجة جذورها المتمثلة في انهيار الرقابة داخل المدارس الخاصة والدولية.
فجوة أولويات
الحادثة تعيد إلى الواجهة سؤالاً مركزيا، لماذا تُطبّق الدولة أقصى درجات الحزم في القضايا السياسية، بينما تتكرر الجرائم الأخلاقية في المؤسسات التعليمية دون إجراءات وقائية رادعة؟ في ظل الإجابة الغائبة، يبقى الأطفال وأسرهم أمام واقع يتطلب أكثر من بيانات رسمية، ويحتاج إلى إرادة سياسية تضع أمن المجتمع فوق حسابات السلطة.
