مدن فاخرة تبتلع المليارات… شبحٌ جديد يطارد المصريين في صحراء السيسي
بينما يعيش ملايين المصريين أعتى موجات الغلاء وتآكل الدخول منذ سنوات، يواصل النظام ضخّ المليارات في مشروعات عقارية عملاقة وعد بها باعتبارها “قاطرة التنمية”، قبل أن تتحول إلى مدن صامتة وسط الصحراء، لا يسكنها أحد ولا يستفيد منها المواطن، لكنها تكلف البلاد اقتصاداً منهكاً أعباء إضافية وأقساط ديون متفاقمة.
فعلى امتداد العاصمة الإدارية والساحل الشمالي والقاهرة الجديدة والشيخ زايد، ترتفع أسعار العقارات سنوياً بنسب تتراوح بين 25% و50% خلال الشهور الأخيرة وحدها، رغم الركود الحاد في المبيعات وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
ويعزو محللون هذه الطفرة المصطنعة إلى سياسات حكومية حمّلت قيمة الأراضي بأرقام فلكية، وإلى إفراط المطورين في طرح وحدات فاخرة لا يمكن لغالبية المصريين الاقتراب من أسعارها.
فقاعة عقارية تُنفخ بالديون… ومدن فارغة تتسع
تحولت مشاريع الدولة العملاقة إلى معارض إسمنتية ممتدة، بُني أغلبها لصالح طبقة لا تتجاوز 1% من السكان.
فالساحل الشمالي مثلاً، وعلى مسافة 500 كيلومتر من المشروعات الفاخرة، يشهد واحداً من أسرع ارتفاعات الأسعار، حيث تجاوز سعر المتر 200 ألف جنيه في مشروعات تظل مغلقة 9 أشهر من العام، فيما يدفع المصريون كلفة هذه “المدن الموسمية” من مواردهم العامة.
الظاهرة ذاتها تتكرر في العاصمة الإدارية، حيث تُبنى الأبراج والكمبوندات وسط صحراء غير مأهولة، فيما تتأجل عمليات التسليم لسنوات بسبب نقص السيولة وارتفاع تكلفة الإنشاء، وهروب البنوك من تمويل شركات العقار التي باتت تُدرج ضمن “القوائم الحمراء”.
هواجس المستثمرين… ومعاناة المشترين
رصدت الجولة الميدانية حالة هلع بين المطورين والسماسرة والمشترين، فالمطورون يواجهون قفزات غير مسبوقة في تكاليف البناء وضرائب وإتاوات حكومية مفاجئة، ومع ذلك يرفضون خفض الأسعار، متمسكين بفلسفة “تسعير المستقبل” تحسباً لأي خفض جديد للجنيه.
في المقابل، يتعثر آلاف المشترين عن استكمال الأقساط، وتغص منصات إعادة البيع بوحدات غير قادرة على إيجاد مشترٍ واحد، بينما ترفض الشركات ردّ الأموال لأصحابها وتواصل تأخير التسليم.
“الدولار العقاري”… والمضاربة تُشعل الأسعار
بات العقار في مصر ليس سكناً بل “أداة تحوّط” ضد انهيار العملة. يشير محللون إلى أن 35% من الطلب الحالي يأتي من مصريين بالخارج ومستثمرين عرب يبحثون عن مخزن آمن لقيمة أموالهم، ما يؤدي إلى رفع الأسعار بعيداً عن قدرة المصريين المقيمين داخل البلاد.
كما أسهمت أنظمة السداد الطويلة (حتى 12 عاماً) في تضخيم السعر الاسمي للوحدة لتصل قيمتها إلى 3–4 أضعاف تكلفتها الحقيقية، في ظل تحميل المستهلك كل فوائد الاقتراض والتمويل التي تجاوزت 24%. انهيار قادم؟ يحذر خبراء من أن هذه السياسات صنعت فقاعة عقارية مكتملة الأركان، تتضخم في ظل ركود الطلب وتآكل الطبقة الوسطى التي كانت المحرك الأساسي للسوق. ويؤكدون أن الأسعار المطروحة لا تمثل القيمة الحقيقية للعقار، بل هي انعكاس للتضخم والديون وارتفاع تكلفة الأراضي التي تحتكر الحكومة بيعها بأسعار متضخمة، حتى باتت تمثل نصف قيمة الوحدة.
وتتحول هذه الفقاعة تدريجياً إلى مدن أشباح حقيقية: مبانٍ فاخرة بلا سكان، وكمبوندات مغلقة على فراغ، ومشاريع متعطلة تكلف الدولة مليارات كان يمكن توجيهها إلى الإسكان الحقيقي، والتعليم، والصحة، والبنية الأساسية.
الخلاصة: إسكان للأثرياء… ودين على الفقراء
يرى محللون أن سلوك الحكومة في إدارة ملف الأراضي والعقار يجعل السكن في مصر سلعة للمضاربة وليس حقاً للمواطن.
ففيما تتفاقم الديون ويُطالَب الشعب بشدّ الأحزمة، تُهدر المليارات على مدن لا يسكنها إلا القليل، بينما تُترك الطبقة الوسطى — التي تشكل 60% من المجتمع — عاجزة عن شراء وحدة لا تتجاوز 80 متراً.
ويحذر الخبراء من أن إصرار الدولة والمطورين على هذا النهج سيقود السوق إلى كساد شامل وانفجار فقاعة لا يدفع ثمنها سوى المواطن، الذي لم يعد قادراً على شراء سكن ولا احتمال مزيد من السياسات التي تربط مستقبل البلاد برهانات عقارية محفوفة بالمخاطر.
