-
- في مشهد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية وتفاقم عجز العملة الصعبة، أعلن البنك المركزي المصري بسلطة الانقلاب عن طرح أذون خزانة مقوّمة باليورو بقيمة 600 مليون يورو لأجل عام واحد، يوم الاثنين 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "ترقيع مؤقت" لدينٍ قديم وليس تمويلاً جديداً.
- وبحسب بيان المركزي، فإن الطرح الجديد يأتي لإحلال أذون سابقة مستحقة بقيمة 642.8 مليون يورو، أي أن الحكومة تقترض لتسدد ما عليها من ديون قديمة، وهو ما يكشف حلقة مفرغة من إعادة تدوير الدَّين دون أي مؤشرات حقيقية على نمو في الصادرات أو جذب للاستثمارات المنتجة.
- ورغم ترويج السلطات لهذا التحرك باعتباره جزءاً من "إدارة مرنة للدَّين العام"، إلا أن الأرقام تشير إلى اعتماد شبه كامل على أدوات الدين قصيرة الأجل، ما يزيد عبء الفوائد ويعمّق هشاشة الموقف المالي للدولة التي تواجه نزيفاً مستمراً في احتياطاتها من النقد الأجنبي.
- عجز العملة الصعبة وغياب البدائل الإنتاجية
- توقيت الطرح الجديد يأتي في ظل تراجع الصادرات المصرية واستمرار عجز الميزان التجاري وتراجع تحويلات المصريين بالخارج، بالتوازي مع انكماش قطاعات الإنتاج الحقيقي كالزراعة والصناعة، وهو ما يفسر اندفاع الحكومة نحو الاقتراض باليورو لتغطية احتياجات التمويل الأجنبي بأي ثمن.
- ويرى خبراء اقتصاد أن هذه السياسة تعكس إفلاس المنظومة الإنتاجية، وغياب أي رؤية اقتصادية قائمة على التصنيع أو التصدير، في مقابل اعتماد مفرط على القروض وسندات الخزانة، سواء بالدولار أو اليورو، لإبقاء الدولة واقفة على أقدامها إحصائياً لا فعلياً.
- الصكوك الإسلامية.. واجهة جديدة للدَّين المحلي
- وفي موازاة طرح الأذون باليورو، يستعد البنك المركزي لإطلاق أول صك سيادي بالجنيه المصري بقيمة 3 مليارات جنيه، في محاولة لتوسيع قاعدة الاقتراض المحلي تحت لافتة "التمويل الإسلامي".
- لكن محللين يرون أن هذا التوجه لا يعدو كونه تغييراً في الشكل لا في المضمون، إذ يبقى الهدف هو ذاته: جمع السيولة لسد العجز المتفاقم في الموازنة وتمويل الالتزامات قصيرة الأجل، في ظل تآكل الإيرادات العامة وضعف الاستثمار الحقيقي.
- أرقام وردية.. وواقع متدهور
- ورغم محاولات البنك المركزي رسم صورة متفائلة في تقريره الأخير، الذي توقع تراجع التضخم إلى 14% في 2025 و10.5% في 2026، وارتفاع معدل النمو إلى 5%، إلا أن الواقع الميداني يعكس تآكلاً في القوة الشرائية، وارتفاعاً مستمراً في الأسعار، وتراجعاً في مستوى المعيشة.
- ويؤكد اقتصاديون أن تراجع التضخم المعلن لا يعني تحسناً فعلياً، بقدر ما يعكس ركوداً في الطلب وضعفاً في النشاط الاقتصادي، في وقت لا تزال فيه الدولة تواصل الاقتراض الخارجي بوتيرة غير مسبوقة، دون خلق قاعدة إنتاجية قادرة على توليد عملة صعبة أو فرص عمل حقيقية.
- دوامة الديون.. لا إصلاح في الأفق
- يُجمع مراقبون على أن طرح أذون خزانة باليورو بقيمة 600 مليون ما هو إلا علامة جديدة على فشل السياسات الاقتصادية للنظام، الذي لم ينجح في بناء قاعدة تصديرية ولا في جذب استثمارات مستدامة، بينما يستمر في تدوير القروض لتسديد فوائد قروض سابقة.
- ومع كل طرح جديد، تتراجع قدرة الدولة على الخروج من فخ الاستدانة قصيرة الأجل، ما ينذر بانفجار مالي مؤجل، في ظل غياب الشفافية، وتغوّل الديون على الموازنة، وغياب رؤية تنموية حقيقية.
