خلال مؤتمر المياه الدولي الذي عُقد بالقاهرة الأسبوع الماضي، حاول نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي تجميل صورته القبيحة أمام المصريين عبر تقديم شو إعلامي حول سد النهضة، وتكرار التصريحات التي صدرت عنه من قبل دون اتخاذ موقف فعلي على أرض الواقع، رغم أن أثيوبيا انتهت من بناء السد وملء الخزانات بل وتشغيله، ما يمثل خطرا كبيرا على حصة مصر وحقوقها التاريخية في مياه النيل والأمن القومي المصري .
السيسي كان قد زعم أن الأمن المائي لمصر خط أحمر، وأن القاهرة لن تتهاون في حقوقها التاريخية في مياه النيل .
وشدد على أن الصبر المصري له حدود، وأن المرحلة القادمة ستشهد تحركات حاسمة ومفاجئة في مواجهة أي تجاوزات تمس الحقوق المائية، أو المصالح القومية، وفق تعبيره.
لكن السيسي يُعوّل على تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويأمل أن يأتي الفرج من واشنطن، دون أن يتخذ هو خطوة عملية على الأرض تمثل ردعا للجانب الأثيوبي، وتوقف تطاوله واستهانته بدولتي المصب مصر والسودان .
الأمر الواقع
في نفس سياق الأكاذيب الانقلابية، زعم بدر عبد العاطي وزير خارجية الانقلاب أن مصر مارست أقصى درجات ضبط النفس طوال السنوات الماضية، لكنها ترفض سياسة فرض الأمر الواقع.
وقال عبد العاطي في تصريحات صحفية: إن "التحركات المصرية في المحافل الدولية، والتنسيق الإقليمي مع السودان ودول حوض النيل، تعكس رؤية مدروسة ومشكورة في التعامل مع الأزمة، تجمع بين الدبلوماسية الهادئة والحزم الدفاعي المشروع"، وفق تعبيره .
حقوقنا التاريخية
في الوقت الذي قال فيه هاني سويلم، وزير ري الانقلاب: إن "الموقف المصري من أزمة سد النهضة لم يتغير، زاعمًا أن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل غير قابلة للتفاوض أو التهاون، وأن دولة العسكر لن تسمح بالمساس بحصة مصر من المياه، أو تهديد أمن وسلامة الشعب المصري".
وشدد سويلم على أن باب المفاوضات بشكلها الحالي مع أثيوبيا قد أُغلق تمامًا، وأن الانقلاب لن يعود إلى دائرة تفاوضية مغلقة لا تفضي إلى نتائج، موضحًا أن أي حوار قادم يجب أن يكون مبنيًا على أسس واضحة وإطار قانوني ملزم يحفظ حقوق الجميع وفق تعبيره.
وزعم أنه لا مساس بنقطة مياه واحدة من حصة مصر، ولن نتنازل عن حقوقنا التاريخية في مياه النيل مهما كانت الظروف، داعيًا إلى تحمل المسؤولية الجماعية في حفظ حقوق شعوب حوض النيل، وتحقيق التنمية المستدامة دون الإضرار بأي طرف.
وأضاف سويلم: أن الإصرار على بناء سد بهذا الشكل وبدون اتفاق مُلزم بين الأطراف، يُعد مخالفة صريحة، كما أن طريقة الإدارة الإثيوبية لسد النهضة اتسمت بالعبث والتهور، وأدت إلى إرباك حسابات نظام نهر النيل، خصوصًا في فيضان النيل الأزرق بحسب تصريحاته.
وحذر من أن استمرار إثيوبيا في هذا المسار سيكون له ثمن، ولن تمر هذه الممارسات دون مساءلة مشددًا على أهمية توثيق كافة الإجراءات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا، باعتبارها تمس أمن دول المصب وتهدد الاستقرار الإقليمي وفق تعبيره .
جريمة أثيوبية
من جانبه قال الدكتور أحمد عبد القادر ، أستاذ هندسة المياه بكلية الزراعة جامعة جنوب الوادي: إن "بناء السدود على النيل الأزرق دون تنسيق أو اتفاق ملزم يمثل خرقا للقانون الدولي، مطالبا حكومة الانقلاب بالرد على الجريمة الأثيوبية بدءا من المسار الفني ثم المسار القانوني والدبلوماسي، وأيضًا بخيارات دفاعية مشروعة حال المساس بحياة المصريين".
وأكد عبد القادر في تصريحات صحفية أن المجتمع الدولي بدأ يدرك الآن أن الموقف المصري منطقي، وأن سياسة التريث التي اتبعتها القاهرة لم تكن ضعفاً، بل حكمة مشكورة، وفق تعبيره.
وشدد على أن إدارة ملف المياه تتطلب علما وخبرة، وليس شعارات سياسية أو استعراضات إعلامية.
وطالب عبد القادر حكومة الانقلاب بالتكشير عن أنيابها، بلغة القانون والعقل، لتؤكد أنها قادرة على حماية حقوقها المائية دون تهور في آنٍ واحد.
تحول استراتيجي
في المقابل اعتبر الدكتور محمد العشماوي ، أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة بني سويف أن ما جرى في مؤتمر المياه يمثل تحولا استراتيجيا مفاجئا في الخطاب الانقلابي، إذ تجاوز مرحلة التحذير إلى مرحلة الإجراء.
و أوضح العشماوي في تصريحات صحفية: أن حديث السيسي حول التحرك وفق خطط واضحة لحماية الحقوق المائية يعبر عن أن مصر تملك الآن أوراق ضغط حقيقية، سواء في الاتحاد الإفريقي أو عبر الشراكات الدولية، مشيرًا إلى أن مصر لن تسمح بتهديد حياة أكثر من مئة مليون مواطن يعتمدون على مياه النيل كمصدر رئيسي للحياة وفق تعبيره .
وأضاف: أن القاهرة باتت تمتلك اليوم قدرة تفاوضية غير مسبوقة، لأنها تتحدث بلغة الأرقام والمشروعات لا بلغة الانفعال ، وهذا ما جعل المجتمع الدولي يميل إلى الاقتناع بالموقف المصري بحسب تصريحاته .
واعتبر العشماوي البيان الختامي لمؤتمر المياه «وثيقة وطنية بامتياز»، لأنه يضع الخطوط الحمراء بوضوح، ويطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن المائي في حوض النيل، وفق تعبيره .
