من خذلهم بالأمس يحتفل معهم اليوم…عودة أهالي غزة إلى ديارهم حلم تحقق أخيرا

- ‎فيتقارير

 

 

عودة أهالي قطاع غزة إلى ديارهم بعد وقف إطلاق النار كانت حلما لكنه تحقق آخيرا، رغم ما يواجههم من تحديات، فالدمار في كل مكان لا بيوت  لا مدارس، لا مستشفيات، لا مخابز ولا محال بقالة، لكنهم مصرون على إعادة إعمار غزة وتجديد الحياة في كل شبر فيها، والتأكيد على أن العدو الصهيوني لا مكان له في كل الأراضي الفلسطينية، وأن هذه العصابات المجرمة نهايتها قريبة وستغادر إلى حيث أتت، ولن ينفعها دعم ترامب ولا الأوروبين ولا الحكام الخونة .

أخيرًا، صمتت المدافع التي التهمت البيوت والأرواح، وها هي غزة تمسح دموعها بيدٍ مرتجفة وتهمس: هل انتهى الكابوس؟ سلامٌ طال انتظاره على مدار عامين من النزوح والجوع والوجع الذي شقّ القلوب قبل البيوت.

الناس بين فرحة البقاء ووجع الفقد، كأنهم يسيرون فوق رمادٍ ساخن، يتلمّسون وجوه أحبّتهم، ويتأكدون من أن الموت توقف حقًا عند هذا الحد.

 

يوم عيد

 

وصف الشاب الفلسطيني سائد أبو محسن اللحظات الأولى لإعلان وقف إطلاق النار بقطاع غزة وقال : "شعرنا بفرحة عارمة لانتهاء الحرب والدمار ووقف شلال الدم، مشيرا إلى أنه استقبل الخبر بركعتين شكر لله".

وأشار "أبو محسن" في تصريحات صحفية إلى أن مواصي خان يونس كلها استقبلت الخبر بالتكبير والتهليل والحمد لله، مؤكدا أن الناس كانت مبسوطة جدا وفرحانة جدًا وكأنه يوم عيد.

واستطرد قائلًا: "لكن تلك الفرحة لم تُخففِ وجع الفقد، فقلوبنا موجوعة على فراق الأحبة ومشاهد الخراب". مؤكدا أن الذكرى التي لا تمحى من ذاكرته هي خبر استشهاد صديقه الصحفي هشام النواجحة في ثالث أيام الحرب، ثم استشهاد صديقه الصحفي عبد الله عمر شكشك، ومشهد الحزامات النارية، وأهوال يوم القيامة في قصف صهيوني بجوار الخيمة .

وتابع "أبو محسن": إن "شاء الله تكون انتهت آلة الدمار والقتل، لكن الحرب الحقيقية الآن مع قدوم فصل الشتاء ونحن بدون مأوى وآلام وأوجاع الخيام وبرد الشتاء وغزارة الأمطار". موضحا أن الصبر بالنسبة لهم ليس مجرد فضيلة يتحلون بها، وإنما آلية للبقاء على قيد الحياة، فهو الدرع الأخير الذي يحمون به إنسانيتهم وسلامهم الداخلي وعدم السماح لهذه الأحداث بأن تقتل الروح قبل الجسد.

وقال: "نفسي ترجع حياتي زي الأول، الأمن والأمان في بيتي اللي كان يأويني، ضاع حلم حياتي، بيتي اللي جهزته وما فرحتش بيه، فقدت خيرة أصحابي وأبناء عائلتي وجيراني، وحيي اللي كنت ساكن فيه بقى كومة حجارة، اللي باقي حاليًا هو الأمل بالله أولًا ثم بتوفير حياة كريمة".

وتابع "أبو محسن": حلمي البسيط كغزاوي أصحى الصبح على صوت أطفال رايحين مدارسهم مش على صوت الطيارات، نفسي أمشي في شوارع مدينتي وأشوفها عامرة بالحياة، مش الركام، وضحك في الوجوه، نفسي أمي تكون مطمئنة ما بتخافش من الليل ولا من خبر فقد جديد، نفسي يكون السفر حق مش حلم، والكهرباء تيجي طول اليوم، والمياه ما تنقطعش، نفسي غزة ترجع تتنفس، والناس تضحك من قلبها من غير وجع، نفسي العالم يسمعنا مش كأرقام  لكن كأرواح بتحب الحياة، نفسي أزور قبور اللي راحوا وأقولهم: «رجع الأمان يا حبايب».

 

نجونا من الموت

 

وقال المحامي الفلسطيني محمد أبو وطفة : "أول إحساس بعد إعلان الاتفاق هو الصدمة، بعد العذاب والجوع والإبادة والتشريد، صعب تصدق إن كل دا ممكن يقف فجأة، تحملنا فاق كل طاقات البشر، ربنا يزيدنا صبرًا .

وأشار "أبو وطفة" في تصريحات صحفية إلى أكثر المشاهد قسوةً قائلًا: "أكثر مشهد ما بقدر أنساه، لما انقصف البيت وإحنا متواجدين فيه، الخوف كان مرسوم على وجوه الأطفال والنساء، وطلعنا من الموت بمعجزة من رب العالمين ".

وأضاف : ممكن الحرب ترجع في أي وقت، الاحتلال معروف بنقض العهود من أيام النبي محمد ﷺ، ونقض الاتفاقات مع غزة قبل هيك، لكن إحنا نوكل أمرنا لله .

وتابع "أبو وطفة": اللي ضاع مني كثير، أولهم عين ابني أنس اللي اتصاب ويتعالج في مصر، ضاع بيتنا وضاعت حياتنا، لكن الأمل في الله كبير، مشيرا إلى أنه فقد الكثير من الأصدقاء اللي كانوا إخوة وسند، لكن عزائنا إنهم شهداء، وربنا يرحم الجميع.

وأعرب عن أمله أن ترجع حياتنا مثل قبل الحرب، نرجع ننام بدون خوف، ناكل اللي نفسنا فيه، نرجع نضحك بصدق، نعيش حياة عادية زي باقي البشر، من غير خوف ولا فقر ولا وجع .

 

المأساة خلصت

 

وقال الشاب الفلسطيني خالد خليل، من تل الزعتر : "مش مصدق إن المأساة خلصت أخيرًا، الحمد لله، عِشنا في خيام، حر بالنهار وبرد بالليل، شفنا حياتنا بتتفتت قدامنا، وضلّينا تقول الحمد لله .

وأشار خليل في تصريحات صحفية إلى يومٍ لا ينساه قائلًا: "من سنة ونص طلعت أنا وزوجتي وأولادي وأمي وإخوتي على الحاجز الصهيوني، كانوا بيسجنوا الشباب ويدخلوا النساء بس، يومها كان يوم صعب جدًا، الحمد لله إنه عدى على خير .

وأضاف: كل شيء في حياتي تبدّد؛ بيتي راح، شغلي ضاع، صحابي استشهدوا، فقدت كتير من أحبابي، وصديق عمري الوحيد فقدته قبل 11 شهرا، الله يرحمه، بخاف أتذكره، وبخاف أفقد كمان حد، ما ضل شيء ممكن يرجع زي الأول، ضاع مني كل شيء حرفيًا، باقي معي ستر الله، والحمد لله إنه اختارنا ليختبرنا  .

 

النزوح من رفح

 

وقالت النازحة الفلسطينية مريم حسام : "الحمد لله على سلامة شعبنا البطل، إعلان وقف إطلاق النار رغم الجراح والألم هو بالنسبة لنا عيد، عيد توقّف فيه نزيف الإبادة، ولو إلى حين، فرحنا من بين الركام لأننا ما زلنا على قيد الحياة" .

وأضافت "مريم حسام" في تصريحات صحفية : بإذن الله الحرب انتهت، لكننا نحمل آثارها في قلوبنا، عِشنا عامين تحت النار والجوع والعطش وبقينا واقفين، ضاع منا الكثير؛ أخي، أصدقائي، منزلنا، كل شيء، ولم يبقَ سوى الحمد لله، أكثر مشهد لا يفارق ذاكرتي هو النزوح من رفح، وجوه الأطفال، تعب الشيوخ، الخوف والدموع، كنا نحمل ما تبقّى من العمر على أكتافنا ونمشي في صمت .

وتابعت: أقول للعالم: إن "من خذلنا بالأمس هو نفسه من يحتفل معنا اليوم، إنه عالم يفيض بالنفاق، إلا من رحم الله من الشرفاء ".

واستطردت "مريم حسام" : نعم فقدت أخي، وما زلت أعيش ألم الفقد كل يوم، لكن حلمي بسيط، أن أعود إلى بيتي، أن نعيد إعمار غزة، وأن نعيش الأمان من جديد، ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أول ما فعلته هو تفقد أصدقائي وأهلي في غزة، لأتأكد أنهم بخير .

 

صوت طفلٍ يبكي

 

وأعربت الكاتبة الفلسطينية قمر عبد الرحمن عن سعادتها الغامرة بإعلان انتهاء الحرب وقالت: "كأنّ أحدهم سمح لي بالتنفّس بعد غرقٍ طويل، كنت أقف أمام بيتٍ لم يبقَ منه سوى نصف جدار، والهدوء يهبط على المكان كما يهبط الغبار بعد العاصفة، لم أصدق في البداية، كنت أخشى حتى من الصمت، كأنه خديعة، لكن شيئًا صغيرًا في داخلي قال لي: ربّما انتهت، وربّما يمكننا أن نحلم بيومٍ عاديٍّ من جديد .

وأشارت قمر عبد  الرحمن في تصريحات صحفية إلى مشهد لا تستطيع نسيانه قائلة: "صوت طفلٍ كان يبكي وهو يبحث عن أمّه بين الركام، لم أرَ شيئًا أوجع من ذلك المشهد، كان الليل يمرّ وأنا أسمع صوته في رأسي، كأنّه لم يغادر، ربما لأنّه لم يكن يبحث عن أمّه فقط، بل عن الأمان الذي سُرق منّا جميعًا ".

وأضافت: ما زال الخوف يسكن العيون، وما زال الناس ينامون بآذانٍ نصف مفتوحةٍ لأيّ صوتٍ بعيد، الحرب قد تتوقف على الأرض، لكنّها تظلّ مشتعلةً في القلوب، أما الفقد فلا يُروى. لكنه صار جزءًا من حكايتنا، أتعايش لأنّ من رحلوا كانوا يتمنّون أن نستمر، أن نحيا، أما الخوف، فصار جالسًا معنا على الطاولة، لا يغيب، لكنه لم يعد يقدر أن يمنعنا من الحلم .

واستطردت قمر عبد الرحمن قائلة: "أتمنى أن تعود حياتي كما كانت، أن تعود ضحكة أمي وهي تُعدّ الشاي في الصباح، رائحة الخبز الساخن، وجلسات الجيران قبل الغروب، تفاصيل صغيرة، لكنها كانت تصنع الحياة كلها، ضاع الكثير: البيت، والراحة، وأناس أحببناهم، لكن ما زال فيّ شيءٌ لا يُقهر: إيماني بأنّ الله معنا، وأنّ وردةً صغيرة يمكن أن تنبت حتى في قلب الركام كفى دمًا، كفى وجعًا، نحن لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار، نحن بشر، لنا وجوه وأسماء وأحلام صغيرة .

وقالت: "أحلم أن أستيقظ على صوت الأذان دون أن يليه انفجار، أن أرى الأطفال يسيرون إلى مدارسهم، لا إلى الملاجئ ".