حاول عمال مصانع السكر الممتد من أسوان حتى الحوامدية، الضغط على النظام بتنظيم إضراب يحمل مطالب العمال العادلة والمشروعة في مواجهة السياسات الاقتصادية التي أوصلت صناعة السكر إلى أزمة غير مسبوقة.
وبظل الأزمة تعاني مصر فجوة في إنتاج السكر تصل إلى 25%، ما يدفع إلى استيراد ما بين 400 و800 ألف طن سنوياً، بينما يتم الضغط على صناعة سكر القصب عبر تسعيرة شراء منخفضة تدفع الفلاحين لبيع القصب للعصارات بدلاً من توريده للشركة، إضافة إلى تراكم متأخرات الفلاحين ومضاعفة أسعار السكر في الأسواق.
وأكثر من 10 مصانع تابعة لشركة السكر والصناعات التكاملية يعمل بها نحو 10 آلاف عامل، بخلاف العمالة الموسمية، دخلوا في إضراب منذ ثلاثة أسابيع، بدأ في مصنعي إدفو وكوم أمبو، وامتد إلى باقي مصانع الصعيد وصولاً إلى مجمع الحوامدية.
وفي نهاية أغسطس الماضي، صعّد العمال احتجاجهم عبر إضراب واعتصام استمر 20 يومًا، قبل أن ينتهي يوم الخميس الماضي، بعد تلقيهم وعودًا من الاتحاد المحلي لنقابة عمال أسوان، ومكتب العمل بأن ملفهم انتقل إلى رئاسة الجمهورية، وسيتم البت فيه مع بداية أكتوبر المقبل.
وبينما يبلغ الحد الأدنى للأجور 7000 آلاف جنيه، تتراوح رواتب العمال بالشركة بين 4000 و8000 جنيه شهريًا، ووصل أجر البعض 6000 جنيه، بعد 24 عامًا من الخدمة بالشركة.
ويؤكد العمال أن الرواتب بهذا الشكل لا تتحمل قطعا إضافيا لتأمين صحي حتى وإن كان ذلك قانونيًا، خاصةً مع رفض الشركة لمطالبهم بتحسينها، مشيرين إلى أن قيمة أجورهم الحقيقية تتراجع بسبب التضخم؛ إذ ظلت ثابتة طوال سنوات، ولم تشهد زيادات متناسبة مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، ما جعل تلبية احتياجات أسرهم الأساسية عبئًا يفوق قدرتهم.
مع بداية العام المالي الحالي 2026/2025، انتظر العمال الحصول على الزيادة السنوية ومنحة رئيس الجمهورية، وإشعار من الشركة بخصوص الحد الأدنى للأجور، وهو ما لم يتحقق.
وأرسل العمال مناشدة للسيسي، يطلبون فيهم صرف المنحة، وضم العلاوات الاجتماعية المجنبة منذ عام 2016، إضافة إلى رفع قيمة البدل النقدي للوجبة البالغ 150 جنيهًا شهريًا، وزيادة بدل المبيت البالغ 120 جنيهًا شهريًا، وصرف العلاوات السنوية -مثل غلاء المعيشة- المتأخرة منذ عام 2017، ورفع الأجر اليومي للعاملين لمدة 12 ساعة، والتوقف عن خصم التأمين الصحي إجباريًا.
وامتد إضراب عمال مصانع شركة السكر والصناعات التكاملية في 5 محافظات؛ في أسوان شارك 2600 عامل من مصنعي "إدفو" و"كوم أمبو"، وفي محافظات الأقصر وقنا وسوهاج والجيزة، اشترك عمال المصانع في الإضرابات لأيام متفاوتة، قبل أن يتوقفوا، بسبب تهديدات إدارة الشركة واستدعاءات جهاز الأمن الوطني للتحقيق.
وخلال نحو ثلاثة أسابيع من الإضراب، حاولت عدة أطراف إقناع العمال بالعدول عن احتجاجاتهم، من بينهم مسؤولي المحافظة وعدد من نواب البرلمان.
وأكد العمال أن إدارة الشركة ومسؤولو الشركة القابضة مارسوا ضغوطًا عليهم؛ إذ عُرض عليهم بدلًا من صرف 700 جنيه منحة الغلاء التي أقرها السيسي، صرف مبلغ 500 جنيه، غير شامل الضرائب والتأمين، وهو ما رفضه العمال، متمسّكين بحقهم في الحصول على المنحة كاملة أسوة بزملائهم في شركات أخرى صرفت المنحة بالفعل.
وفي يونيو الماضي، صدّق السيسي على القانون رقم 89 لسنة 2025، الخاص بتحديد نسبة العلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية، والذي نص على صرف شركات القطاع العام وقطاع أعمال العام منحة تُصرف شهريًا من موازنتها الخاصة تُعادل الفرق بين نسبة العلاوة السنوية الدورية المُقررة لهم، ونسبة العلاوة الخاصة المُقررة للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية المشار إليه (موظفين الجهاز الإداري للدولة).
ونص القانون على زيادة الحافز الإضافي المقرر للموظفين المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية المشار إليه ، والعاملين غير المخاطبين به (فئات مختلفة من العاملين بالدولة منهم عمال شركات قطاع الأعمال العام والعام) شهريًا بفئة مالية مقطوعة بواقع (700) جنيه.
رفض لعمل التسوية
وقالت منصة "متصدقش" إن "عمال "إدفو" و"كوم أمبو" لم يوافقا على تعليق الإضراب مؤقتًا إلا بعد أن وعدهم الاتحاد المحلي لعمال أسوان ومكتب العمل، الخميس 11 سبتمبر، بالاتفاق مع وزارة التموين والشركة القابضة، على صرف المنحة كاملة بداية من شهر أكتوبر، مع بحث إمكانية صرف بقية العلاوات والحوافز المتأخرة".
في حين يحق لعمال مصانع السكر علاوة خاصة بنسبة 15% من الأجر الأساسي، بحد أدنى 150 جنيهًا، كما يحق لهم الحافز الإضافي الشهري، بقيمة مقطوعة تبلغ 700 جنيه، تُحتسب ضمن الأجر المكمل أو المتغير، وهو ما لم تلتزم به الشركة.
الأمن الوطني والعمال
وأكدت منصة "متصدقش" نقلا عن عمال أن "الإدارة اعتادت مواجهة مطالب العمال باستخدام سلاح التهديد بإبلاغ الأمن أو نقلهم إلى مصانع بعيدة عن محل إقامتهم".
ونقلت عن علاء فتحي أنه "استُدعي للتحقيق لدى جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، بعد أن أبلغ مدير المصنع عن اسمه مع مجموعة من زملائه".
وأضاف "ضباط الأمن الوطني استمعوا لشكاوى العمال، وتأكدوا من صحة مطالبهم بعدما راجعوا حسابات الشركة، واتضح لهم من كشوف الأجور التي اطلعوا عليها، بعدم صرف العلاوات المستحقة.
ونقلت عن العامل البالغ من العمر 48 عامًا ويعمل في الشركة منذ 25 عامًا براتب لا يتخطى 6 آلاف جنيه: "أثناء التحقيق، حين شرحنا للضباط صعوبة الظروف المعيشية وأن الرواتب لا تكفي، لمسنا بعض التعاطف والتفهم، لكنهم طلبوا منا المطالبة بحقوقنا بوسائل أخرى غير الإضرابات والاحتجاجات".
شهادة عامل آخر
كما نقلت عن سيد عرفة (من عمال مصنع كوم أمبو) أن ضباط الأمن الوطني استدعوا بعض العمال بأوامر من إدارة المصنع.
ويضيف: "الضباط تفهموا مطالبنا لأنهم يعرفوننا، فهذه ليست المرة الأولى التي ننظم فيها احتجاجًا، لكن هذه المرة كنا مصرّون على الاستمرار حتى تحقيق مطالبنا".
إلا أن النتيجة كانت أن "نجح تدخل الأمن الوطني في وقف إضراب مصنعي أرمنت بمحافظة الأقصر، ودشنا بقنا، قبل باقي المصانع بأيام، بعدما نقل أحد الضباط للعمال أن مطالبهم "سيجري عرضها على الجهات المختصة"، وفق ما ذكرته دار الخدمات النقابية والعمالية".
ونقلت المنصة عن العمل أنه أغلقت إذا جميع السبل أمام العمال للحصول على حقوقهم، وبقيت رواتبهم ثابتة تقريبًا منذ عام 2017، في وقت تشتد فيه صعوبة الأوضاع المعيشية. أشاروا إلى أن "توقف الإضراب مؤقت وليس نهائيًا، وأنهم مستعدون للعودة إذا لم تنفذ مطالبهم كما وعدهم مكتب العمل والاتحاد العام لعمال أسوان".
واردات المصانع
وتورد "السكر للصناعات التكاملية" شهريًا نحو 95 ألف طن لصالح البطاقات التموينية، أي ما يعادل 1.14 مليون طن سنويًا، وفقًا لتصريحات رئيس الشركة السابق اللواء عصام البديوي في أبريل 2024، وهو ما يغطي نحو 32% من إجمالي استهلاك مصر من السكر البالغ 3.60 مليون طن، بحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية.
وتمتد أزمة مستحقات العمال هي جزء من مشكلة الشركة في نظامها الجديد الذي بدأ منذ عام 2014؛ إذ أصبحت مهمتها الأساسية حينها تلبية احتياجات الوزارة من السكر.
وأضافت أن الشركة كانت تابعة لوزارة الاستثمار قبل عام 2014، كانت تورد كامل إنتاجها لوزارة التموين على أساس أن "التموين" تدفع مقابلها كامل التكلفة بالإضافة إلى نسبة ربح ثابتة تبلغ 10%، ما سمح لشركة التكاملية بامتلاك ملاءة مالية جيدة وودائع في البنوك بنحو 4 مليار جنيه.
ووجدت "التموين" أن هذا النظام أدى إلى تراكم ديون كبيرة عليها لصالح شركة السكر والصناعات التكاملية، تقدر بمليارات الجنيهات، ما دفعها إلى طلب أن تكون الشركة تحت إدارتها، مع شراء الإنتاج بالكامل بسعر محدد.
◾ على مدار نحو 11 عامًا، استنفدت الشركة ودائعها في البنوك، وأصبحت مضطرة للاقتراض وتحمل خسائر كبيرة بسبب الفجوة بين تكلفة الإنتاج التي تتراوح ما بين 28 إلى 35 جنيهًا للكيلو، وبين سعر البيع الثابت لوزارة التموين الذي يُقدّر بنحو 12 جنيهًا للكيلو.
وبجانب التوريد المحلي، أعلن رئيس الشركة صلاح فتحي في يوليو 2025 عن تعاقد "السكر والصناعات التكاملية" على استيراد 165 ألف طن لصالح هيئة السلع التموينية، مشيرًا إلى أن مستحقات الشركة لدى الهيئة ارتفعت إلى نحو 500 مليون جنيه.