في تطور يهدد أمن الطاقة في مصر، أعلنت السلطات الإسرائيلية وقف ضخ الغاز الطبيعي من حقل "ليفياثان" البحري إلى كل من مصر والأردن، على خلفية التصعيد العسكري مع إيران، وفق ما كشفته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، ما اضطر القاهرة إلى تفعيل خطة طوارئ لمواجهة تداعيات الانقطاع المفاجئ.
القرار الإسرائيلي الذي أعقب هجمات جوية استهدفت مواقع إيرانية، أدى إلى إغلاق أكبر منشأة بحرية لإنتاج الغاز في شرق المتوسط، في وقت تعتمد فيه مصر بشكل متزايد على هذه الإمدادات، بعد أن تحولت من دولة مُصدّرة إلى مستوردة للطاقة منذ عام 2020، بموجب اتفاقيات طويلة الأمد مع تل أبيب، أثارت حينها جدلًا واسعًا حول جدواها السياسية والاقتصادية.
ويُدار حقل "ليفياثان"، الذي تبلغ طاقته 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، من قبل شركة "شيفرون" الأمريكية، ويُعد مصدرًا أساسيًا للغاز المصدر إلى مصر، خاصة في فترات ذروة الاستهلاك.
خبراء: السيسي فرّط في ثروات مصر خدمة لإسرائيل
يرى خبراء ومحللون أن الأزمة الراهنة تكشف عمق التنازلات التي قدمها النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، الذي لم يكتفِ – بحسبهم – بإبرام اتفاقات غاز مجحفة مع الاحتلال، بل تنازل أيضًا عن حقوق مصرية في مياه شرق المتوسط، خدمةً لمصالح تل أبيب وتحت رعاية تحالفات إقليمية ودولية مشبوهة.
وقال أحد الخبراء في شؤون الطاقة – طلب عدم ذكر اسمه –: إن "مصر كانت تمتلك موقعًا مميزًا يمكن أن يجعلها مركزًا إقليميًا حقيقيًا للطاقة، لكنها اختارت بدلًا من ذلك الارتهان لغاز الاحتلال، مما جعلها رهينة لأي تقلبات أمنية أو سياسية في إسرائيل".
وأضاف أن "تكرار توقف الإمدادات بسبب اعتبارات إسرائيلية داخلية يؤكد هشاشة هذه الاتفاقات، ويدق ناقوس الخطر بشأن قدرة مصر على تأمين احتياجاتها، خاصة في فصل الصيف، حيث يتزايد الطلب على الكهرباء والغاز".
من التصدير إلى الارتهان تحولت مصر في السنوات الأخيرة إلى مستورد صافٍ للغاز، بعد أن وقّعت اتفاقًا مثيرًا للجدل في 2018 لاستيراد الغاز من حقلَي "ليفياثان" و"تمار"، بقيمة تقترب من 15 مليار دولار لمدة 15 عامًا.
وقد بدأت عملية الاستيراد فعليًا مطلع 2020، رغم الإعلان المتكرر عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد اكتشاف حقل"ظهر" العملاق.
تبلغ الطاقة الإجمالية لحقل "تمار" نحو 1.1 مليار قدم مكعبة يوميًا، ليصبح الاعتماد المصري على الغاز الإسرائيلي مكوّنًا أساسيًا في شبكة الطاقة الوطنية.
وتشير بيانات رسمية إلى أن مصر استوردت خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 2.55 مليار متر مكعب من الغاز من إسرائيل، أي ما يعادل مليار قدم مكعبة يوميًا، ما يجعل أي توقف في الإمدادات الإسرائيلية ضربة قاسية للاقتصاد والطاقة في مصر.
كاريش يتوقف أيضًا:
المشهد يزداد قتامة وفي سياق متصل، أعلنت شركة "إنرجيان" تعليق إنتاج الغاز من حقل "كاريش"، بعد توجيهات إسرائيلية على خلفية التصعيد الجيوسياسي.
ورغم أن الحقل أصغر نسبيًا، إلا أنه يُعد مكملًا لشبكة إمدادات الغاز في المنطقة، ويُنتج نحو 775 مليون قدم مكعبة يوميًا.
هذا التوقف المزدوج لحقلَي "ليفياثان" و"كاريش" يزيد من تعقيد المشهد، وسط تحذيرات من أزمة طاقة تلوح في الأفق، خاصة في ظل النقص العالمي في شحنات الغاز المسال، وارتفاع الأسعار عالميًا.
مصر تفعل خطة الطوارئ ردًا على توقف الإمدادات
عقد وزير الكهرباء المصري، محمود عصمت، اجتماعًا طارئًا لبحث استعدادات مواجهة سيناريوهات نقص الغاز، وسط تقارير تؤكد أن المخزون الحالي من الوقود في محطات الكهرباء لا يكفي لمواجهة انقطاع طويل الأمد.
وأمرت الوزارة برفع درجة الاستعداد القصوى في مراكز التحكم وشركات التوزيع، للحفاظ على استقرار الشبكة وتفادي انقطاعات محتملة للكهرباء في الأيام المقبلة.
هل يدفع المصريون ثمن صمتهم؟
مع اشتداد الأزمة، يتساءل مراقبون: هل يدفع الشعب المصري اليوم ثمن صمته على الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في 2013، وإزاحته لأول رئيس مدني منتخب؟ هل تمضي البلاد إلى مزيد من الأزمات بسبب سياسات التفريط في السيادة والثروات لصالح كيان احتلالٍ لا يتورع عن قطع الإمدادات في أي لحظة؟ الارتفاع المتوقع في أسعار الطاقة، والانقطاعات المحتملة، قد تكون فقط بداية لسلسلة أزمات اقتصادية مقبلة، تحمل توقيع سياسات يقول منتقدو النظام إنها قامت على التنازل والتبعية، بدلًا من الاستثمار في السيادة والاعتماد على الذات.