فى ظل حكم الانقلاب العسكرى الذي يقوم على المحسوبية والرشوى وسيطرة العساكر على المؤسسات المدنية بقوة البيادة، فيحولون المؤسسات الرابحة والرائدة بمجالها إلى خراب، وهو ما حل مؤخرا بشركة مصر للطيران، أقدم وأعرق شركات الطيران في العالم، حيث تحولت من الأرباح للخسارة، وهو ما يمهد على ما يبدو لبيعها ، سواء عبر البورصة أو بشكل من أشكال التفريط في أصول مصر الاقتصادية، دون الوقوف عند أهميتها الاستراتيجية وخطورة التفريط بها على صعيد الأمن القومي المصري.
30 مليار خسائر
مؤخرا، تقدمت النائبة آمال عبد الحميد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب باقتراح بشأن طرح حصة من شركة مصر للطيران على القطاع الخاص، وذلك في محاولة لإيقاف الخسائر التي تتكبدها الشركة.
وقالت عبد الحميد في مقترحها، إن خسائر شركة مصر للطيران بلغت 30 مليار جنيه (990 مليون دولار)، في حين بلغت أرباح طيران الإمارات 9.4 مليار دولار في النصف الأول من عام 2023، وقد حققت الخطوط الجوية القطرية إيرادات سنوية قياسية بلغت حوالي 21 مليار دولار، وقفز ترتيب الخطوط الجوية الكويتية من المركز الـ76 في عام 2022 إلى المركز الـ42 في عام 2023، بينما ارتفعت أرباح الخطوط الجوية السعودية، وحققت الخطوط الجوية الإثيوبية إيرادات سنوية تقدر بـ5 مليارات دولار.
وأضافت: “كشف تصنيف ’سكاي تراكسا’ العالمي لشركات الطيران، عن خروج شركة مصر للطيران، لأول مرة في تاريخها، من قائمة أفضل 100 شركة عالمية، في الوقت الذي تصدرت فيه شركات عربية وأفريقية التصنيف”.
وتساءلت: “لماذا لا نطرح حصة من مصر للطيران على القطاع الخاص من خلال توفير شريك استراتيجي، وطرح 35% من أسهم الشركة في البورصة”، موضحة، أن طرح حصة من مصر للطيران للقطاع الخاص، سيعمل على وقف نزيف الخسائر والتحول إلى ربحية، كما أن طرح جزء من أسهم الشركة في البورصة سيجعلها تستفيد من الحوكمة والمحاسبة والتطوير الذي يفرضه المساهمون وتتابعه الجهات الرقابية والمستثمرون.
ديون وقروض الشركة
وفي محاولة لإنقاذ الشركة من الانهيار، وافق البرلمان في أغسطس 2020 على مشروع قانون مقدّم من الحكومة بالإذن لوزير المالية بضمان الشركة القابضة لمصر للطيران في التمويل طويل الأجل والتزاماته الذي يبلغ 3 مليارات جنيه لمواجهة الظروف الطارئة التي يتعرض لها قطاع الطيران المدني حاليا.
وذهب هذا الدعم أدراج الرياح، وبعد نحو عام وفي أكتوبر 2021، وبعد جلسة برلمانية حادة حول جدوى استمرار منح القروض، وافق المجلس على منح الشركة قرضا بقيمة 5 مليارات جنيه من البنك المركزي بهدف تمويل الالتزامات الحتمية الخارجية والداخلية لشركة مصر للطيران والشركات التابعة لها بضمان وزارة المالية.
وتأسست شركة مصر للطيران في 7 مايو 1932 بمرسوم ملكي بالتعاون مع شركة “إير وورك” البريطانية وتعد أولى شركات الطيران في أفريقيا والشرق الأوسط، وهي ثاني أكبر ناقل جوي في القارة الأفريقية بعد الخطوط الجوية لجنوب أفريقيا.
وتأتي تلك الخسائر المتراكمة، على الرغم من أن عدد السكان المصريين يتحاوزون 110 مليون نسمة وأن اكثر من 11 مليون مصري يعملون خارج مصر، ويسافرون من وإلى مصر سنويا، علاوة على موقع مصر الجغرافي الذي يمكنها من لعب دور استراتيجي في النقل الجوي بين قارات العالم.
فتش عن اللواءات!
فيما يرجع خبراء تراجع الشركة المصرية الأقدم والأبرز في مجال النقل الجوي، تغلغل الفساد في مفاصل الشركة وسيطرة عدد كبير من لواءات الجيش، الذين يحالون للمعاش، وتجري مكافأة المقربين من دوائر السلطة بتوظيفهم في مواقع قيادية بشركة مصر للطيران، وهو ما يسيطر على إدارة الشركة، من خلال العقليات العسكرية، التي لا تفهم في التشغيل وتطوير الخدمات وجذب العملاء للشركة.
علاوة على الفساد المالي والإداري الذي بات متحكما في أغلب مفاصل دولاب العمل الحكومي والمؤسساتي بمصر.
الفساد يبتلع مصر
ومؤخرا، وضع مؤشر الفساد مصر في المرتبة 130 من بين 180 دولة، بعد منحها 30 درجة فقط من 100 درجة يحددها للدولة الخاضعة للتقييم السنوي، عند نقطة متساوية مع دولتي جيبوتي وموريتانيا، بمعدل فساد أعلى من جميع الدول العربية عدا التي تخوض حروبا أهلية أو عديمة الاستقرار، منها العراق وسورية وليبيا والصومال والسودان ولبنان.
وتظل مصر في المنطقة الحمراء، وهي أكثر المناطق خطورة في انتشار معدلات الفساد، التي تبدأ باللون الأصفر للدول قليلة الفساد، وعلى رأسها الدانمارك فنلندا ونيوزيلاند والنرويج وسنغافورة، ويتدرج إلى البرتقالي فالأحمر، ثم شديد الاحمرار، حيث الدول الفاشلة وشديدة الاستبداد.
يرصد التقرير تصاعدا هائلا في معدلات الفساد منذ عام 2016، حيث تراجعت مصر ثلاثة مراكز بالمؤشر عام 2022، عن العام السابق وبأكثر من 20 مركزا خلال 10 سنوات، حيث ظلت في المرتبة ما بين 97 إلى 114 منذ صدور بيان المؤشر، عام 1995 حتى عام 2012، واعتبر انتشار الفساد في تلك الفترة من أهم الدوافع التي أدت إلى تأييد أغلبية المواطنين لثورة 25 يناير 2011.
بينت دراسات اقتصادية، أجريت خلال تلك الفترة أن الفساد، يلتهم نحو 33% من الناتج الإجمالي للدولة، بما فاقم معدلات الفقر، وعدم المساواة في الدخول، ودفع المواطنين للمناداة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ومحاولة حكومة المجلس العسكري وما بعد 3 يوليو 2013 إلى إصدار تعهدات بمكافحته، أصدرت الحكومة تعديلات قانونية وضعت جميع الأجهزة الرقابية تحت سلطة مباشرة لرئاسة الجمهورية، مع إلغاء خضوع الجهاز المركزي للمحاسبات للرقابة الشعبية والبرلمانية، ومنح الرئاسة سلطة إزاحة رؤساء الأجهزة الرقابية، بدون موافقة البرلمان أو محاكمات قضائية، ومنع وسائل الإعلام من نشر أية بيانات متعلقة بالفساد، دون موافقة مسبقة من الجهات الرقابية.