د. عبدالله الغيلاني يكتب: إلزم ثغرك

- ‎فيمقالات

في أيام الله هذه ليس أوجب على المؤمنين من الانخراط في معركة الأقصى، انتصارا لمنهج الله و امتثالا لأمره أولا، و دفاعا عن المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الدين تنهمر عليهم النيران و يتعرضون لإبادة قل نظيرها في التاريخ ، ليست معركة حماس وحدها و ليست معركة الشعب الفلسطيني وحده، بل هي معركة الأمة قاطبة، و ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، أعلم أن المؤمنين في أصقاع الأرض تهفو أفئدتهم إلى غزة و ما حولها، و لكن حيل بينهم و بين ما يشتهون.

و لكن معركة الأقصى هذه متعددة الأبعاد كثيرة الثغور ، و كل مسلم بالغ عاقل قادر يقف اليوم على ثغر من ثغور المعركة تلك، نعم  أنت على ثغرة ، فلا نؤتينَ من قبلك، و كي لا نؤتين من قبلك فعليك أن تدرك بدقة على أي ثغر أنت ، فلا تبرحه.
دعك من العاطلين المتفرجين ، فما لأولئك أتحدث، و لكن حديثي إلى الصادقين الذين تلهب صدورهم مشاهد العدوان و تمزق ضمائرهم لوعات الأسى ، و تتفجر قلوبهم غضبا و ألما، لهؤلاء أقول: “عليك أن تحدد موقعك و تدرك ثغرك ، ثم تشرع في أداء دورك الجهادي و أنت على بينة من أمرك و استقامة من قصدك،
ما قصدته تحديدا أن ملكات الناس تتفاوت و قدراتهم تتنوع و مناقبهم تتباين و كل ميسر لما خلق له، لا يكفي و ما ينبغي أن تتحول إلى محطة استقبال  و إرسال ، تلتقط الأخبار من كل فج ثم تعيد بثها كما جاءت ، بل الأجدر أن نستقبل بكياسة و تنشر بوعي و تحدد أهدافك بتبصر ، وفق رؤية قائدة و خطة مرسومة”.
تخصص إن استطعت في تحرير الوعي وبناء المفاهيم ، أو انصرف  إلى إعلاء الهمم و تعبئة النفوس، أو تصدي لخطابات الإرجاف و التخذيل التي تنفثها صدور الشياطين، أو تحرك في فضاءات الإنفاق و الجهاد بالمال، أو تتبع ما يصدر عن العدو ثم أنذر به قومك ، أو تفرغ لصناعة محتويات فنية بالغة التأثير ، أو قم برصد مضامين الإعلام الغربي ثم أعد صياغتها و إنتاجها ، أو تقدم الصفوف في مسيرات النصرة و حشود التأييد .
كل ذلك من الجهاد، و أعظم من ذلك كله دمعاتك الحرّى و حزنك على عجزك و توقك الى ملاقات العدو بصدق “وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ”.
ما ذكرته آنفا هي أمثلة و حسب، و إلا فالقائمة تطول و الثغور لا يحصيها العد و الموفق من حدد ثغره و عيّن مهمته و أخذ أهبته و إعد عدته، و المحروم من رضي من الغنيمة بالإياب ، مكتفيا بالتسمر أمام الشاشات و تقليب الصفحات دون إضافة تذكر أو جهد يشكر.
إلزم ثغرك و لا تبرح مكانك و احذر تكرار خطأ الرماة يوم أحد، ذلك الخطأ الذي قلب النصر إلى هزيمة و التقدم إلى تقهقر “وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ” .
رحى المعركة تدور دون توقف و أقدار الله تمضي بحكمة بالغة وتدبير محكم، و أبواب الجهاد و الإسناد مشرعة لمن أراد .
قد يحتقر المرء نفسه و يزدري قدرته على التأثير ، و ذلك من تلبيس إبليس و ضلالات النفس ، و لو تأملت ذاتك بصدق و فحصت قدراتك بموضوعية لعلمت أنك قد أوتيت حظا صالحا من الخير و نصيبا مقدرا من العطاء، و العاقل من اهتبل السوانح و سارع إلى الخيرات ، و فريضة الوقت في لحظتنا هذه إسناد العمل الجهادي و سد الضرورات الإنسانية في أرض فلسطين و صد العدوان اليهودي و كشف الإرجاف العربي الرسمي،
بينما كان النبي -صلى الله عليه وآله- يعبئ الجيش قبيل معركة بدر، رأى سواد بن غزية واقفا في غير موضعه، فوكزه بعود كان في يده وقال له: استقم يا سواد، والاستقامة اليوم أن نكون في موضعك الصحيح دون تبديد للجهود ولا هدر للطاقات .
المعركة طويلة الأمد وينبغي أن لا تتحول مع توالي الأيام إلى خبر يومي مألوف، و تصبح مشاهد الإجرام اليهودي لقطات يمكن التصالح معها، وهذا من الثغور التي نخشى اختراقها.
فمن يأخذ الكتاب بقوة؟.