"الصهاينة اليهود يستوطنون في الإمارات"، لم يعد ذلك سرا بعد تدشين أول حضانة لأطفال اليهود في دبي، وصلاة الحاخام الأكبر الحارة من أجل العائلة الإماراتية الحاكمة، ويُدشن مبنى جديد لدراسة التوراة في الإمارات، والمقابلات واللقاءات الحميمة بين مسؤولين إماراتيين وعصابة نتنياهو.
حكاية التطبيع الإماراتي مع كيان العدو الصهيوني، لم تبدأ في 13 من أغسطس 2020 ، حين أعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، التوصل إلى اتفاق سلام بين الإمارات و(إسرائيل) وتطبيع علاقاتهما بشكل كامل، ولا يوم 15 من سبتمبر من نفس العام حين وُقِّع اتفاق التطبيع بينهما في واشنطن، ولكن قبل ذلك بأكثر من ربع قرن، وتحديداً في عام 1994.
يكشف ذلك السفير الإسرائيلي في ألمانيا، جيرمي إيسخاروف، الذي كان أول دبلوماسي إسرائيلي يلتقي مسؤولا إماراتيا، وهو جمال السويدي الذي كان يعمل مستشارا سياسيا لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وقد أنشأ وقتها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي كان يُستخدم ، وربما حتى وقت الإعلان الرسمي عن التطبيع، قناة خلفية للتطبيع بين الإمارات والاحتلال.
ولعقد لقاءات بين مسؤولي البلدين، وذلك حسب إيسخاروف الذي كان آنذاك الرجل الثالث في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وقد تواصل معه أحد المستشارين الأمريكيين نيابة عن أبوظبي من أجل معرفة موقف إسرائيل من سعي أبوظبي إلى شراء طائرات إف 16 من الولايات المتحدة، ورغبة أبوظبي في أن تتفادى أي معوقات قد تحدث في الكونجرس بهذا الشأن. التقى إيسخاروف بالسويدي، وتحدثا ليس فقط في ما يخص صفقة الطائرات مع واشنطن، بل في أمور أخرى كثيرة، منها كيفية تطوير العلاقات بين إسرائيل والإمارات في مجالات أخرى.
هكذا يتحدّث إيسخاروف، بكل فخر، عن الرؤى والمصالح المشتركة التي تجمع تل أبيب وأبوظبي، ومهدت لمزيد من اللقاءات والاجتماعات بين مسؤولين إسرائيليين وإماراتيين على مدار ربع القرن الماضي. يذكر، مثلا، أنه جرت مناقشة موضوعات عديدة، مثل إيران، خصوصا نشاطها النووي، والصواريخ التي تهدّد المنطقة، أو الوضع في سورية، أو مصر أو الأردن.
كان هذا يحدث بينما تسجل الإمارات ظاهريا، سواء في القمم العربية أو لقاءات جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، التزامها "دعم الشعب الفلسطيني في بناء دولته على حدود 1967… والتزام المبادرة العربية للسلام"… إلخ، في وقتٍ كانت تطعن فيه الفلسطينيين من الخلف عبر لقاءات وصفقات وتحالفات مع الكيان الصهيوني.
اتفاقات خطيرة
ورغم أن ما يجمع بين الإمارات و"إسرائيل" حبال وصل قديمة، وأخرى غرستها الأجيال الجديدة من أبناء الشيخ زايد، فإن المسارعة بعقد اتفاقيات اقتصادية وسياسية ورياضية بشكل سريع، وضعت تساؤلات عديدة حولها، على الرغم من عدم توقيع كيان الاحتلال والإمارات رسمياً، ذلك الاتفاق.ولعل الخطوة الأبرز عقب إعلان الاتفاق بين الجانبين، ما أقدمت عليه الإمارات -وهو الأخطر- في ملف التطبيع الاقتصادي والمالي المرتقب مع كيان الاحتلال، بعدما اتفق الطرفان في 1 سبتمبر 2020، على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون في الخدمات المالية والمصرفية بهدف تشجيع الاستثمار بين الجانبين. وواكب تلك الخطوة دخول بنك الإمارات دبي الوطني، أحد المؤسسات المصرفية الإماراتية التابعة للدولة، في مفاوضات جدية مع بنك لئومي، أكبر البنوك الإسرائيلية، لإبرام شراكات وصفقات مالية واقتصادية واستثمارية، والتوصل إلى اتفاق تعاون في مجال تقديم الخدمات المصرفية للشركات المحلية.
كما أصدر رئيس الإمارات، خليفة بن زايد، مرسوماً أواخر أغسطس 2020، يلغي بموجبه قانون مقاطعة "إسرائيل"، بما يسمح بعقد اتفاقيات تجارية أو مالية وغيرها مع هيئات وشركات أو أفراد إسرائيليين. وسبق الخطوتين أيضا إبرام اتفاق تجاري بين شركة "أبيكس" الوطنية للاستثمار الإماراتية ومجموعة "تيرا" الإسرائيلية، للتعاون في مجال الأبحاث والتطوير المرتبط بمرض "كوفيد-19". إضافة إلى ذلك تم الاتفاق على برنامج تبادل زيارات بين طلاب البلدين، بقصد "التعرف على الثقافات والحضارات، وأماكن الجذب السياحي في إسرائيل والإمارات". وأعلن الجانبان، في 16 أغسطس الماضي، تدشين الاتصالات الهاتفية المباشرة، بعدما قالت وزارة الاتصالات الإسرائيلية إن مزودي خدمات الاتصالات في الإمارات رفعوا حظر الاتصالات الواردة من أرقام تحمل رمز الهاتف الدولي لـ"إسرائيل" وهو "+972".
تحالف ضد الإسلام والديمقراطية
من جهته وصف الدكتور عزمي بشارة، الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بأنه "معادٍ للشعوب العربية بالدرجة الأولى" لأنه "أكثر من تطبيع"، معتبرا أنه "يعكس قناعات سياسية ــ فكرية ــ شخصية لدى حكام أبوظبي". وأشار إلى أن أسوأ ما في "اتفاق أبراهام"، الذي جاء "بموافقة سعودية"، ربما يكون تكريسه منطق القوة لليمين الإسرائيلي، وتحصين تل أبيب من تقديم تنازلات للعرب مستقبلاً.
وتوقع مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن تفضي مرحلة ما بعد انفجار مرفأ بيروت والاحتمالات السياسية التي يطرحها صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، توقع ذهاب ما يسمى في لبنان "الطبقة السياسية" إلى حكومة "وحدة وطنية" لإنقاذ النظام الطائفي، وهو ما للحراك الشعبي دور في مواجهته. جاء ذلك في حديث خاص على شاشة "التلفزيون العربي"، من الدوحة، قال فيه إنه لا يصح اختزال الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي بمجرد تطبيع للعلاقات، لأن الحديث لا يدور عن حالة حرب تلتها مصالحة وتطبيع، مثلما كان الحال مع مصر والأردن مثلاً، بل "إننا في الحالة الإماراتية، نتحدث عن رؤية سياسية استراتيجية مشتركة بين إسرائيل والإمارات للمنطقة، تشمل من ضمن ما تشمله، رفض التغيير الديمقراطي والعداء للإسلام السياسي ولإيران ولتركيا.
أما من ناحية الاعتبارات الإماراتية، فأوضح بشارة أن السلطة في أبوظبي مقتنعة بأن إسرائيل حليف فعلا، وأن أدوار الإمارات في المنطقة تلزمها بإيجاد حليف إقليمي قوي، وأن التحالف مع أمريكا لا يكفي وحده، "فهم (في الإمارات) يتفقون مع إسرائيل حتى عندما تختلف معهم أمريكا أحيانا (كحال المسألة الإيرانية مثلا)". يتابع بشارة، "هذا الاتفاق يقوي القيادة الإماراتية داخل الإدارة الأمريكية، فالطرفان الإماراتي والإسرائيلي عملا سوية في واشنطن، ولم يكن بالإمكان التخلص من رجل مثل (ولي العهد السعودي السابق) محمد بن نايف من دون هذا التعاون الإماراتي الإسرائيلي داخل أروقة القرار" في واشنطن، على حد تعبير بشارة.
وتعتقد القيادة الإماراتية، حسب "بشارة"، "أنها وحدها قادرة على إمساك تلك المنطقة، حتى أنهم لا يثقون بالقدرة السعودية في هذا المجال، ولكي يتمكنوا من فعل ذلك، هم بحاجة إلى حليف قوي مثل إسرائيل". ويضيف "هناك إعجاب بإسرائيل لدى القيادة الإماراتية، وهم يعتبرون أن إسرائيل حليف مناسب لمواجهة تركيا".وأوضح "بشارة" أن إسرائيل والإمارات تشتركان بالكامل في اعتبار أي تغيير ديمقراطي بمثابة تهديد مباشر لهما.أما حول سبب الهرولة الإسرائيلية من أجل التطبيع، فشدد على أن ذلك يعود أساساً إلى سعي تل أبيب المزمن من أجل اكتساب شرعية سياسية قبل الاعتبارات الاقتصادية.
