وأنت تمر من بعض المناطق الشعبية التي كانت تدين في أغلبها لانقلاب عبد الفتاح السيسي؛ نظرًا لنجاح إعلام هذا النظام العسكري في غسل أدمغة الناس واستقطابهم من خلال خديعتهم بأنهار العسل، تجد تحول الناس بشكل جماعي عن مشاهدة فضائيات الانقلاب، والاتجاه شيئًا فشيئًا إلى القنوات المصرية الرافضة للانقلاب، والتي تبث بالطبع من خارج مصر.
وبإجراء إحصاء عشوائي في منطقة السيدة زينب والدرب الأحمر والخليفة، وهي من المناطق التي كان عدد كبير من سكانها يؤيدون الانقلاب بضراوة، تجد أن قنوات رفض الانقلاب تحتل مكانًا في المشاهدة إلى جوار قنوات “بين سبورت” و”النيل للرياضة”، و”القرآن الكريم” بالطبع، بحيث لا تجد ورشة أو مقهى شعبيًا أو محلًا في الشارع يشاهد غيرها، وفقا للإحصائية العشوائية التي أجراها المحرر.
وشكلت تلك المؤشرات تحولًا واضحًا ومفزعًا لنظام الانقلاب، من خلال متابعة إحصائيات هذه المشاهدات، التي اعترفت بانهيار الإعلام الرسمي والخاص، وحصول بعض القنوات الرافضة للانقلاب على نصيب وافر من مشاهدات المصريين في الوقت الحاضر، بعدما تبين خدعة إعلام النظام في أدمغة الغلابة، وانهيار الحالة الاقتصادية، رغم الوعود التي وعد بها السيسي.
هذا الرصد لم تنفرد به “الحرية والعدالة” فقط، أو مراصد المشاهدات الفضائية المختلفة لنسب المشاهدين على كل قناة، بل رصدته الأذرع الإعلامية لنظام الانقلاب.
«ضربها فى الخلاط»
الكاتبة لميس جابر، كتبت مقالا مطولا تستصرخ فيه نظام الانقلاب لإنقاذ سمعته وإعلامه من انهيار المنظومة بشكل جماعي، على كافة مستويات الإعلام المقروء والمرئي.
وقالت جابر، خلال مقالها بصحيفة “الوطن”: “لا أدرى، ولا أعتقد أن أحدا يدرى، ماذا يحدث فى الإعلام المصرى.. فقط شعرنا جميعا أن القنوات كلها قد تم «ضربها فى الخلاط» مع بعض، وخرجت النتيجة كما نرى الآن وكما نحاول أن نفهم.. بعض البرامج تحركت بحالها واسمها وديكورها إلى قنوات أخرى مثل لعبة الكراسى الموسيقية، والبعض الآخر تم تغيير المحطة واستبدال المذيع بمذيع ومذيعة بلا داعٍ.. الموضوعات أصبحت مسطحة شبه تافهة متشابهة.. يتوجه الأغلب إلى الغناء والفن والطبيخ والكبدة والفشة.. ثم يعود المناضل القديم بتوجه غريب ويسب الفن والفنانين ويتهمهم بالسرقة العلنية، ويدق على وتر صراع طبقى بين مبيض المحارة وممثلة مشهورة لتأليب فئات الشعب على بعضها البعض”.
وأضافت: “لا يهم الآن أن أعرف ما يجرى أو ما قد جرى بالفعل.. المهم هو النتيجة التى وصلنا إليها نحن مشاهدى التلفاز والقنوات والتوك شو الذى أصبح نسخًا متشابهة لا يمكن تفرقة مواضيعها إلا بشكل المذيع واسمه وديكور البرنامج”.
وتابعت: “عدنا إلى أيام الإعلام الشمولى الذى يُسبح ويصفق ويهلل ويتشاجر ويتعارض فى كرة القدم فقط.. وابتعد الناس فى الشارع عن الجميع وأعطوا ظهورهم للتلفزيون المصرى والخاص والميديا بحالها، وتوجهوا بالخطى السريعة وبمنتهى النشاط والإقبال على درر الإعلام وتيجانها الغراء.. إلى «محمد ناصر» فى قناة «مكملين»، و«هشام عبدالله» فى قناة «الشرق».. وإن كنت عزيزى القارئ لا تصدق فقط اسأل من حولك فى الشوارع أو اجلس عند الحلاق أو على المقاهى فى غير أوقات الكرة، ستجد أن هذه الوجوه البشعة تطل عليك من الشاشة بكل وقاحة، وإذا لم تصدق أنا أقول إننى صدقت عندما جاءتنى ابنة عزيزة تخبرنى ببساطة أنها بدأت تحب «محمد ناصر»، وعلى فكرة بيتكلم صح والله العظيم!”.
إعلام السيسي
فيما كشف موقع “فرانس 24″، في تقرير سابق له، سر هذا التحول من إعلام الانقلاب إلى الإعلام المعارض للانقلاب، موضحة أن سياسة اعتقال صحفيين، وحجب مواقع إلكترونية، وفرض مضايقات على تحركات الإعلاميين، منذ استولى عبد الفتاح السيسي على السلطة في 2013 عرف المشهد الإعلامي تحولات كبيرة، لا سيما في ظل انتشار ما يسمى “المال المخابراتي”، وصولا إلى ترسانة قضائية حكمت قبضتها على الصحافة والصحفيين.
وحذر عبد الفتاح السيسي بنفسه وسائل الإعلام من السماح بـ”الإساءة للجيش”، معتبرا أن ذلك ليس “حرية رأي” وإنما يوازي “الخيانة العظمى”.
ومنذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، يسير نظام السيسي بانتظام إلى تضييق الخناق على المعارضين وقمع أصواتهم، ومرت العلاقة بين الصحافة والسلطة في مصر بمحاولات “استغواء” ثم ترهيب، حيث صنفت مصر في المرتبة الـ 161 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لحرية الصحافة خلال سنة 2017 الذي أعدته منظمة “مراسلون بلا حدود”. ويوجد 29 صحفيًّا مسجونًا، بحسب ما قالت المنظمة نفسها في وقت سابق.
هيكلة ملكية القنوات
وبالتوازي مع “صناعة الأذرع” عبر “ضباط اتصال”، “كانت هناك عملية إعادة هيكلة لملكية وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية، وعبر تسرب أموال أغلبها إماراتية كانت سباقة وداعمة لشراء قنوات باستخدام واجهات مصرية، ثم تجمعت هذه الأموال لتُسهم في تأسيس شركات يملكها ويديرها ضباط سابقون لديهم ولاء مباشر للمجموعة الحاكمة، وكانت ذروة هذه المرحلة هي ظهور شبكة “دي إم سي”، التي لم يخف مؤسسوها في كواليس التأسيس أنها تنتمي إلى المخابرات الحربية”، ثم شراء شبكة قنوات الحياة وغيرها من المواقع الإخبارية والفضائيات والصحف.
وعقب هذه المرحلة، ظهرت شركة “إيجل كابيتال” التي اشترت شركة “إعلام المصريين”، مع العلم أن “صندوقا خاصا بجهاز سيادي (المخابرات العامة) يملك أكثر من 40٪ من أسهمه”، وأصبح الإعلام تقريبًا تحت قبضة النظام، فضلا عن السيطرة على نقابة الصحفيين وتشكيل هيئة وطنية للإعلام تلعب دورًا سلطويًّا في مراقبة الإعلام رغم أنه تحت السيطرة”.
ومنذ مايو 2017، تم حجب نحو 500 موقع على الإنترنت، حسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير المصرية غير الحكومية، التي أكدت أن العدد في ارتفاع مستمر.
وضمن الوسائل الإعلامية المحجوبة: بوابة الحرية والعدالة، الجزيرة، مدى مصر، ديلي نيوز إيجبت، والتقرير المصري، إضافة إلى مواقع إخبارية دولية، ومواقع محلية ومدونات ومنظمات حقوقية على غرار “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” التي نشرت تقريرا عن التعذيب في السجون المصرية. وطال الحجب حتى البرامج الإلكترونية التي يمكن من خلالها تجاوز الحجب.