وأنت تصادف أحد العجائز في أي مصلحة حكومية أو تعاملات هيئة البريد، لا تسمع سوى أنين وبكاء ودعاء على الذين ظلموهم وأذلوهم وتاجروا بمرضهم وفقرهم، واستغلوهم للاحتشاد على أبواب لجان الانتخابات ثم غدروا بهم.
أغلبهم يعاني من أمراض مزمنة وخطيرة، والكثير منهم يعاني من أمراض الموت، والأكثر يعاني من شدة الفقر والعوز، في ظل ارتفاع أسعار المعيشة من مأكل وشراب وتعليم ومسكن، ولو كان حظه أكثر سوءًا فقد حوصر بفتاة يريد تجهيزها من أجل الزواج، أو النفقة على بعض أبنائه في مراحل التعليم الجامعي.
وفي ظل معاناة العجائز الذين تاجر نظام العسكر بأموالهم واستولى عليها، تجد نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي يصر على إذلالهم، من خلال رفض رفع معاشاتهم رغم الأحكام القضائية التي حصلوا عليها، والتي أجهضها السيسي بأحكام مأجورة من الأمور المستعجلة كعادة نظامه في إجهاض أي حكم، في الوقت الذي يتمتع فيه رجال العسكر وزبانيته بأموال هؤلاء الفقراء والمضاربة بها في البورصة، ونهبها للعيش في المنتجعات والقصور وترك عشش الصفيح لأصحاب هذه الأموال.
وفي أحدث معاناة لما تمر به العجائز في مصر، نشر النائب السابق في مجلس الشعب البدري فرغلي، ورئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات، فيديو يجلس فيه ويلتف حوله عدد من أصحاب الفقر، الذين رفضت التأمينات صرف معاشات لهم لأنهم فوق خط الفقر، رغم الحالة الصعبة التي تبدو عليهم من عجزهم والمرض الظاهر على وجوههم.
وقال الفرغلي: “مش ربنا قال لكم فأما اليتيم فلا تقهر.. أنتم قهرتموهم، وقالكم وأما السائل فلا تنهر.. أنتم نهرتموهم يا كذابين يا كذابين.. الناس دي بقالها يومين بتجيلي تبكي وأنا عاجز مش قادر أعمل حاجة لأني مش صاحب قرار”.
وأضاف فرغلي أن “اصحاب القرار هناك يتمعتون بأموال الأرامل والأيتام وقاعدين في منتجعات.. نعمل إيه ومفيش مسئول واحد يسمع الناس دي ولا راجل ولا ست تقدر تقول نعمل إيه ولا بتسمع بكاء الناس دي.. أنا بتكلم من بورسعيد ودول أرامل وأمهات أيتام في بورسعيد وفي مصر اللى اتهزمت فيها العدالة رغم إن دول الغلابة اللى صنعوا كل الانتصارات التي انتوا عايشين عليها دلوقتي وبتاجروا بها”.
وتابع: “بتعتدوا على الغلابة دول عشان طلبوا 300 جنيه وهما مايكفوش حتى ركوبة تاكسي.. فيه القادر والجبار اللى قادر يزلزل الأرض تحت أقدامهم.. يا رب إحنا مافيش قوة لدينا وصحتنا اتدهورت .. تدخل يا رب دول عبادك وإحنا مش قادرين ومايمتلكوش حاجة بعدما سلبوا كل قوتهم وكل ما يملكون.. يا رب أنقذ فقراءك وعبادك”.
ودخل الواقفون في حالة من البكاء وقاموا بعرض مظالمهم أمام الكاميرات الواقفة لتسجيل كلمة البدري فرغلي، في مشهد غلب عليه النحيب والبكاء، متسائلين: “نجيب منين وإحنا ستات كبيرة نروح نمشي في الغلط ولا نعمل إيه”.
وعكست تصرُّفات حكومة العسكر تجاه أصحاب المعاشات فلسفة هذا النظام الغشوم تجاه شعبه، فلم تمض سوى 9 أيام فقط من صدور حكم القضاء الإداري بوجوب ضم “80%” من قيمة آخر 5 علاوات إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات، حتى أصدرت محكمة الأمور المستعجلة غير المُختصة بنظر أحكام القضاء الإداري، بوقف تنفيذ الحكم يوم 8 أبريل الماضي، وتعمد نظام السيسي إذلال أصحاب المعاشات.
وسطت حكومات العسكر منذ سنوات على أموال أصحاب المعاشات، والتي قدرتها وزيرة التضامن حاليا بـ755 مليار جنيه، ويؤكد بعض الخبراء أن العوائد من توظيف هذه الأموال مع الحفاظ عليها كفيلة بحل معاناة أصحاب المعاشات، ولكن الحكومة تصر على حرمان “9” ملايين مصري من أصحاب المعاشات من حقوقهم المشروعة.
ويقوم برلمان العسكر حاليا بسن قانون جديد يقنن سرقات الحكومة لأموال المعاشات تحت لافتة استثمارها وتنميتها!.
أموال المعاشات الضخمة التي سطت عليها الحكومة، لم تستخدمها في توفير حياة كريمة لأصحاب المعاشات، بل وظفت هذه الأموال الهائلة في سد عجز موازنة الدولة المترهل، وتستخدمها فى تمويل استثماراتها، كما تكمن المشكلة الحقيقية في نظرة الحكومة لأصحاب المعاشات، فالواضح أنهم يمثلون لها مشكلة كبيرة وتسعى جاهدة للتخلص منهم بأى صورة من الصور، والاستفادة من أموالهم والتى قدرتها وزيرة التضامن بنحو 755 مليار جنيه، بخلاف الأموال المتنازع عليها ولم يتم حسمها حتى الآن.
وأجهضت سلطة الانقلاب كل التظاهرات التي دعا إليها رئيس الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات والقيادي العمالي البدري فرغلي.
وقال فرغلي: إن جميع أصحاب المعاشات مصممون على الحضور، للدفاع عن حقوقهم الشرعية مهما كانت التحديات، مضيفاً أنها ليست المرة الأولى التي يرفض فيها الأمن تظاهرات هؤلاء المتقدمين بالسن ويعاني أغلبهم من المرض والوهن إلى جانب ضعف الرواتب، رغم أنهم لا يشكلون خطراً على الأمن القومي للبلاد، كما تعتقد أجهزة الأمن.
وأكد فرغلي أن طعن الحكومة المصرية بقرار المحكمة، دليل على استمرارها في إذلال كبار السن الذين يقارب عددهم الـ10 ملايين شخص، والذين أفنوا عمرهم في العمل دون رعاية طبية، ودون توفير الرعاية لأسرهم، أو منحهم ما يكفيهم من احتياجات يومية في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات.