مع قدوم شهر يناير، وذكرى الثورة والاحتقان الذي سبقها وأفضى إليها، تتجمع الأصوات حول مشترك يؤكد أن يناير لم تكن حدثًا عابرًا، بل لحظة تأسيسية للتغيير. وفي ظل إدراك واسع بأن النظام الحالي يعيش في حالة خوف دائم من تكرار يناير، يتفق الفاعلون على أن أي تغيير قادم سيستلهم روحها، سواء عبر الحشد الشعبي، أو بناء الوعي، أو تفكيك مراكز القوى.
ويتشارك مختلف الفاعلين في قناعة بأن التغيير الجذري قادم، وأنه لن يتحقق عبر انقلاب داخلي فقط، ولا عبر تدخل خارجي، بل عبر إرادة جماهيرية واعية تستعيد المبادرة كما حدث في يناير. ويختلف الثوريون والإسلاميون والمدنيون في أدوات هذا التغيير؛ فالبعض يراه وعيًا وصبرًا، وآخرون يرونه حشدًا جماهيريًا، وثالث يراه إعلان مبادئ ورؤية ورسالة وبرنامجًا سياسيًا.
واشترك المجلس الثوري المصري وحزب تكنوقراط مصر في استثمار ذكرى يناير للتأكيد على الرغبة الجامحة في التغيير. وعبر حساب (@ERC_egy)، عبّرت رئيسة المجلس د. مها عزام عن الدعوة إلى التغيير الجذري، واضعًا "الثوري المصري" مبادئ أساسية تقوم على إسقاط النظام العسكري الدكتاتوري، وتفكيك مراكز القوى، وبناء نظام ديمقراطي يمثل الشعب ويخضع للمساءلة.
وأكد الإعلان أن النظام القائم غير قابل للإصلاح من الداخل، وأن الحل يكمن في تغيير جذري يعيد السلطة للشعب ويحقق العدالة الاجتماعية.
واستحضر "الثوري المصري" روح يناير في مبادئه، ومنها: وحدة الشعب، تحرير المعتقلين، تمكين الشباب، وبناء دولة عادلة.
كما طرح المجلس الثوري خطة عمل ومبادئ لمرحلة ما بعد النظام الحالي، تشمل إصلاح المؤسسات، وبناء اقتصاد عادل، واستعادة الهوية والأمن القومي.
وفي 21 نوفمبر الماضي و28 ديسمبر الجاري، أعاد (@ERC_egy) عرض "المبادئ الأساسية للمجلس الثوري المصري"، وهو إعلان مبادئ يمثل رؤية شاملة للتغيير الجذري في مصر، ويضع أسسًا سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية لمشروع بديل للنظام القائم.
سياسيًا
يركز الإعلان على إسقاط النظام العسكري الدكتاتوري وإعادة الديمقراطية، مع التأكيد على وحدة المصريين في الداخل والخارج لإنهاء الطغيان والفساد. كما يدعو إلى تفكيك مراكز القوى في الدولة البوليسية وإصلاح المؤسسات، خاصة القضاء والإعلام، وبناء جيش مهمته الدفاع عن الوطن لا التدخل في السياسة، إضافة إلى تحرير المعتقلين السياسيين.
اقتصاديًا
يطرح الإعلان تصورًا لدولة ترعى مصالح جميع المواطنين دون تمييز، وتضع الرفاه الاجتماعي في المقدمة عبر الصحة والتعليم والسكن، مع رفض المشروعات غير المدروسة التي تخدم نخبة السلطة، والتركيز على البنية التحتية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
في الهوية
يؤكد المجلس على حماية الهوية العربية والإسلامية لمصر باعتبارها جزءًا من كرامة الإنسان المصري، ويرى أنها تتعرض لهجمات مستمرة من الدولة وأعداء المجتمع.
في الأمن القومي
يدعو الإعلان إلى استقلال مصر من التبعية واستعادة دورها الإقليمي، مع اعتبار تحرير فلسطين جزءًا من واجبها، ويرى أن النظام الحالي فشل في حماية الأمن القومي. كما يضع الشباب في قلب المشروع باعتبارهم أمل الأمة.
يناير.. كابوس السيسي الذي لا ينتهي
وفي إعلان موازٍ، نشر حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) قراءة سياسية قدّمها المتحدث الإعلامي محمد حمدي، اعتبر فيها أن ثورة يناير 2011 هي الكابوس الذي يلاحق عبد الفتاح السيسي حتى اليوم.
وتقوم الفكرة المركزية على أن النظام الحالي لا يخشى انهيار الدولة المصرية، بل يخشى انهيار بنيته الشخصية المرتبطة بشخص السيسي وسياساته، حيث أصبح أي غضب شعبي تهديدًا مباشرًا لبقائه.
ويفكك المقال رواية النظام التي تصف يناير بأنها "هدم الدولة"، ويقارن بين حصيلة الثورة وما آلت إليه الأوضاع تحت حكم السيسي. ويوضح أن يناير، رغم اضطراب مرحلتها الانتقالية، لم تُغرق مصر في الديون، ولم تتنازل عن الأرض أو السيادة، ولم تُدخل الاقتصاد في قبضة المؤسسة العسكرية، ولم ترتبط بسلسلة التنازلات والصفقات التي شهدتها سنوات حكم السيسي. وتهدف هذه المقارنة إلى كشف زيف خطاب السلطة الذي يستخدم يناير كفزاعة.
ويطرح المقال أن يناير كانت لحظة وعي جماعي كسرت حاجز الخوف، وأنها لم تُهزم رغم القمع، بل تبقى حاضرة كمرآة لفشل النظام الحالي. ويؤكد أن أي ثورة قادمة لن تكون بسبب يناير نفسها، بل نتيجة السياسات التي انتهجها السيسي: الإفقار الممنهج، القمع الشامل، التفريط في الأرض والسيادة، وتهميش إرادة الناس.
الخلاصة: يناير ليست حدثًا عابرًا، بل رمز دائم للتغيير، وستظل الكابوس الذي يلاحق النظام لأنها تذكير بأن الشعب قادر على استعادة المبادرة وكسر الاستبداد.