بين القروض والقطارات الفائقة… الحكومة تواصل إهدار المليارات في مشروعات بلا أولوية
في وقت تعاني فيه مصر من واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، وتخضع لرقابة لصيقة من صندوق النقد الدولي، تواصل الحكومة، بقيادة وزير النقل كامل الوزير، ضخ مليارات الدولارات المقترضة في مشروعات عملاقة يثير خبراء تساؤلات واسعة حول جدواها الاقتصادية وأولوياتها الاجتماعية، وعلى رأسها مشروع القطار فائق السرعة الممتد عبر الصحراء بطول 660 كيلومترا.
المشروع، الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، تروّج له السلطات باعتباره حلا لتخفيف الضغط عن القاهرة ودعامة للتوسع العمراني، فيما وصفه وزير النقل بأنه «قناة سويس جديدة على قضبان»، بحسب وكالة «فرانس برس»، غير أن هذه اللغة الدعائية لا تخفي حقيقة أن المشروع يضاف إلى سلسلة من المشروعات الضخمة التي استنزفت موارد الدولة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة والمونوريل، دون أن يلمس المواطن العادي مردودا مباشرا لها.
وفي عام 2021، وقّعت مصر عقدا بقيمة 3.75 مليار يورو مع تحالف شركات دولية تقوده «سيمنز» الألمانية، لإنشاء الخط الأول من شبكة القطارات فائقة السرعة، الممتد من العين السخنة إلى مرسى مطروح، مرورا بالعاصمة الإدارية ومدينة السادس من أكتوبر، ويأتي هذا الالتزام المالي الضخم في وقت تعتمد فيه الدولة بشكل متزايد على القروض الخارجية، ما يفاقم أعباء الدين ويضغط على الموازنة العامة.
وتقول الحكومة: إن "القطار سينقل نحو 15 مليون طن من البضائع سنويا، أي ما يعادل 3% فقط من حجم البضائع التي عبرت قناة السويس عام 2024، وفق تصريحات رئيس الهيئة القومية للأنفاق، وهي نسبة يراها منتقدون محدودة ولا تبرر الكلفة الباهظة للمشروع، خاصة إذا ما قورنت بالحاجة الماسة لتطوير شبكة السكك الحديد التقليدية التي يستخدمها يوميا نحو مليون مصري وتعاني من الإهمال والحوادث المتكررة".
ويروّج القائمون على المشروع له باعتباره ركيزة للتنمية العمرانية في بلد تغطي الصحراء 95% من مساحته، لكن تجارب السنوات الماضية مع مشروعات مشابهة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة التي بلغت كلفتها نحو 58 مليار دولار، تثير الشكوك حول قدرة هذه المدن الجديدة على جذب سكان حقيقيين، بعيدا عن الدعاية الرسمية.
وفي محيط إحدى محطات القطار بالعاصمة الإدارية، التي افتُتحت رسميا عام 2024، تنتشر لافتات لمراكز تسوق ومناطق سكنية، في محاولة لإضفاء ملامح حياة على مدينة لا تزال تعاني من ضعف الإقبال. ويقول محمد، أحد عمال البناء بالموقع: «لن يسكن أحد هنا… كل هذا سيخدم السياح أو نقل البضائع فقط»، في تعبير يعكس شكوكا شعبية متزايدة تجاه هذه المشروعات.
وتأتي هذه الاستثمارات الضخمة في وقت يتركز فيه معظم سكان مصر، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، في وادي النيل والدلتا، حيث تعاني الخدمات الأساسية من تدهور مزمن. كما تشهد شبكة السكك الحديد القديمة، إحدى أقدم الشبكات في المنطقة، حوادث متكررة؛ إذ سُجل نحو 200 حادث قطار خلال عام 2024 وحده، ما يطرح تساؤلات حول أولوية إنفاق المليارات على خطوط فائقة السرعة بدلا من تأمين سلامة النقل اليومي للمواطنين.
ومن المقرر أن يبدأ تشغيل «الخط الأخضر» عام 2028، على أن تتبعه خطوط أخرى تمتد على طول البلاد. غير أن خبراء اقتصاديين يرون أن الرهان المستمر على المشروعات العملاقة الممولة بالقروض، دون دراسة دقيقة للعائد الاقتصادي والاجتماعي، قد يدفع البلاد إلى مزيد من التعقيد المالي، ويحوّل هذه المشروعات إلى عبء طويل الأجل بدلا من أن تكون قاطرة حقيقية للتنمية.
وفي ظل هذا المشهد، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كانت سياسات الإنفاق الحالية، التي يشرف عليها كامل الوزير، تمثل رؤية تنموية متكاملة، أم أنها استمرار لنهج يراكم الديون ويؤجل الأزمات، بينما يدفع المواطن وحده كلفة «المشروعات العملاقة» التي لا تزال جدواها محل جدل واسع.