اختيارات نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي للوزراء الذين يتم تعيينهم في الحكومة، تكشف عن جهل عصابة العسكر بالمعايير والضوابط التي ينبغي أن يخضع لها هذا الاختيار والشروط التي يجب توافرها فيمن يتم اختياره من ناحية، كما تكشف عن وقاحة هؤلاء الوزراء الذين يتعالون على الشعب، ويتخيلون أنهم أعلى في الدرجة وأكثر في الفهم، وأنهم يحققون له ما لا يستطيعه غيرهم .
هذه الوقاحة تكشفت في الكثير من المواقف، حيث أثارت تصريحات بعض وزراء الانقلاب الكثير من السخط والغضب الشعبي، وهو ما يؤكد أنهم غير مؤهلين للعمل العام، ولا يدركون طبيعة عملهم كموظفين لإدارة شئون الشعب وليسوا أوصياء عليه ، أوأصحاب فضل يمنون عليه بما ملكت أيديهم.
أسورة المتحف المصري
في هذا السياق أثار شريف فتحي وزير السياحة والآثار بحكومة الانقلاب استياء المصريين بعد واقعة سرقة أسورة المتحف المصري بالتحرير، عندما خرج في أحد البرامج التليفزيونية وألقى اللوم على من قام بتسريب خبر الواقعة،
وقال: "بمجرد اكتشاف اختفاء القطعة، تم تشكيل لجنة بحث في الحال، وإبلاغ شرطة السياحة والآثار"، زاعما أنه لحسن سير الإجراءات طُلب منه تأخير إصدار بيان رسمي بهذا الشأن لضمان حسن سير التحقيقات، إلا أنه حدث التسريب، والحقيقة أن اللي عمل التسريب أضرَّ ولم يفد، لأنه خلق البلبلة الموجودة حاليًا وفق تعبيره.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دفع وزير الآثار الانقلابي أحد معاونيه للتقدم ببلاغ ضد الصحفي محمد طاهر الذي كشف عن هذه السرقة، وتم استدعاؤه للمباحث منذ أيام للتحقيق معه.
مستشفيات المنيا
سبق هذه الواقعة تصريحات وزير صحة الانقلاب عندما كان في زيارة لإحدى مستشفيات محافظة المنيا، وبعدما استمع عبدالغفار لشكوى أحد المواطنين نتيجة نقص الخدمات وطول فترة الانتظار والمعاملة السيئة التي تغيرت فقط بسبب زيارته، طلب من المواطن أن يشكر دولة العسكر أولا على بناء المستشفى وتقديم الخدمة الصحية بدلا من الشكوى.
فيما أثارت جولة محمد عبداللطيف وزير تعليم الانقلاب في محافظة القليوبية جدلا كبيرا بعد وفاة مسئول بالإدارة التعليمية، عقب أنباء عن تعنيف الوزير للمسؤول، وفق شهادة عدد من المعلمين الذين شهدوا الواقعة.
فيما اضطر مصطفى مدبولي رئيس وزراء الانقلاب إلى الاعتذار على الهواء مباشرة لطبيبة في محافظة سوهاج على خلفية تداول مقطع فيديو تعامل خلاله المحافظ، بشكل غير لائق خلال جولة ميدانية بالمستشفيات.
كامل الوزير
أما كامل الوزير وزير النقل والصناعة بحكومة الانقلاب ، فقد أثار استياء المواطنين عقب حادث الطريق الإقليمي في محافظة المنوفية، عندما قال : "أنتوا أمنيتكم أني أمشي، لكن والله أنا قاعد لكم لغاية ما أموت" على أي أساس تقول إني وزير غير مؤهل؟ أنا الأول على دفعتي، واسألوا عليَّ أساتذتي في الجامعة، أنا ما جيتش الوزارة من فراغ، أنا راجل خريج كلية الهندسة، وتدرجت في كل المناصب لحد ما بقيت قائد سلاح المهندسين، ثم رئيس الهيئة الهندسية وبعدها وزير، والتاريخ موجود، والناس كلها عارفة مين كامل الوزير .
بالإضافة إلى توبيخه لمسؤول في هيئة السكك الحديدية خلال زيارة لمحطة مصر، على خلفية نقل كمية من الخُردة لموقع غير معلوم، ما اعتبره الوزير مؤشرا على الإهمال، كما أقال أحد الموظفين في وزارة الصناعة على الهواء خلال برنامج تليفزيوني.
دورات تأهيلية
تعليقا على هذه الوقاحة قال الدكتور حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة: إن "وزراء الانقلاب يحتاجون إلى دورات تأهيلية، حتى يتمكنوا من إجادة التواصل مع الجماهير، مشيرا إلى أن عملهم في الأساس عمل سياسي، لا يتحقق النجاح فيه إلا من خلال التواصل واكتساب رضا الجمهور عن أدائهم وسلوكياتهم بصفة عامة".
وأضاف مكاوي في تصريحات صحفية : "يفترض أن كل وزارة لديها إدارة أو جهة ما تدير شئون الإعلام الخاص بها، من خلال وجود متحدث رسمي يتحدث باسمها، خاصة إذا كان الوزير لا يجيد التعامل مع الجمهور، وفي هذه الحالة يتصدى المتحدث الرسمي للتعامل مع وسائل الإعلام حتى يصل إلى الجمهور ويؤثر فيه ويقنعه بسياسات الوزارة أو أدائها".
وأوضح أن المشكلة تتمثل في أن معظم المتحدثين الإعلاميين أيضا غير مؤهلين أو دارسين للإعلام، لدرجة أنه لا يُسمح لهم بالوصول إلى المعلومات الحقيقية التي تهم الجمهور، حتى يكونوا حلقة الوصل بين الوزارة والجماهير .
وأشار مكاوي إلى أن المتحدثين لا يقدمون أي تصريحات أو معلومات إلا بموافقات مسبقة من جهات أعلى، وهذه مشكلة؛ لأن سرعة تدفق المعلومات أمر هام جدا في عملية نقل الأخبار وإقناع الناس بما يدور حولهم، وإلا ستثار شائعات وأخبار مغلوطة وغير صحيحة.
وشدد على أن بعض وزراء الانقلاب من الأفضل أن يبتعدوا عن وسائل الإعلام ويتركوا آخرين يتحدثون بالنيابة عنهم، منتقدا إصرار بعض الوزراء على أن يكونوا هم المتحدثين الوحيدين عن الوزارة، مما يؤدي إلى زيادة الأمور تعقيدا .
وكشف مكاوي أن هناك سوء اختيار للوزراء للأسف، مشيرا إلى ضرورة أن يكون من ضمن معايير الاختيار أن يجيدوا التحدث إلى الجماهير والإنصات إلى متطلباتها، محذرا من أن الوزراء الذين يتسمون بالعجرفة والغرور سوف يتسببون في إثارة الجماهير.
وطالب بإجراء دورات تأهيلية لمن يتم اختيارهم في منصب الوزير، لإكسابهم مهارات التواصل، مثل مهارات التحدث والإنصات والقدرة على الكتابة وقراءة ما بين السطور، والتفكير السليم ووزن الأمور قبل التحدث، مؤكدا أن هذه المهارات يمكن اكتسابها وتعلمها وليست عيبا أو حراما أن يكتسبها الوزراء.
تصريحات غير منضبطة
وقال الدكتور محمود يوسف، أستاذ العلاقات العامة ووكيل كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة: إن "هناك عددًا من المسئولين ليس لديهم دراية أو خبرة أو معرفة كافية بأساليب التعامل مع الرأي العام".
وطالب يوسف في تصريحات صحفية ، بضرورة أن يخضع الوزراء لدورات عن كيفية التحدث إلى الرأي العام، لافتا إلى ضرورة أن يتم إملاء الكلام المفترض التصريح به من جانب وزراء الانقلاب، أو أن يعودوا إلى مسئول أكبر منهم قبل التحدث، حتى لا يخرج هؤلاء إلى الإعلام بتصريحات غير منضبطة، تؤدى إلى سخط الرأي العام عليهم، أو يقدمون معلومات غير مكتملة أو غير صحيحة، أو يتصادمون مع الرأي العام، ويصدمون مشاعر الناس.
وكشف أن بعض وزراء الانقلاب يتعاملون بنظرة فوقية مع الشعب وكأنه يقدم له خدمات وأموال من بيته، مشيرا إلى أن التصريحات معظمها غير منضبطة لا تراعى مشاعر أو أذواق الناس، ودلل على ذلك ببعض مسئولي الانقلاب الذين يقومون بحساب الأكل والشرب الذي يتناوله الشعب المصري، وكأنهم هم الذين ينفقون على الشعب من أموالهم الخاصة.
وأوضح يوسف أن القضية تتمثل في أن بعض وزراء ومحافظي الانقلاب لا يستحقون تولي هذه المناصب من الأساس، مشددا على أن هؤلاء الوزراء يحتاجون إلى دورات تدريبية وتأهيلهم على إتقان أساليب التعامل مع الرأي العام في المواقف العادية والمواقف غير العادية، وأساليب استخدام الاتصال غير اللفظي، لأنه قد يصدر عنهم إشارات معينة تؤدى إلى نتائج وردود فعل سلبية .
وأضاف أن تصريحات وزراء ومسئولي الانقلاب تندرج ضمن تخصص العلاقات العامة الحكومية التي لها دور في تكوين صورة الوزارة والدولة والنظام، وتعطي مصداقية لدولة العسكر بشكل عام، مؤكدا أن هذه الدورات تساهم في إدلاء المسئولين بتصريحات جيدة، لأن هناك أحيانا ردودًا مستفزة تؤكد الشائعات ولا تنفيها، لأن دليل المسئول وقتها يكون ضعيفا، وقد لا يكون هناك دليل من الأساس.
وشدد يوسف على ضرورة الحصول على هذه الدورات قبل التعيين في هذه المناصب، وأن يقوم على تدريسها متخصصون في الإعلام والعلاقات العامة فقط، وليس أي شخص آخر ينتمى إلى أي مؤسسات أخرى في الدولة.