تحت ضغط أميركي وأوروبي: ربط مصر بالغاز الإسرائيلي لمنع أي بديل عربي أو إسلامي

- ‎فيتقارير

 

 تتواصل التحركات الدولية، بقيادة واشنطن وبمشاركة مؤسسات أوروبية، لدفع مصر نحو تعميق ارتباطها بشبكة الغاز الإسرائيلية، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف إلى إحكام السيطرة على سوق الطاقة في المنطقة، وضمان استمرار مصر كمنفذ لتصدير الغاز الصهيوني إلى أوروبا، في مقابل إبعادها عن أي بدائل عربية أو إسلامية كقطر أو الجزائر.

 

 مصدر مسؤول في وزارة البترول بحكومة الانقلاب كشف في تصريحات صحفية " أن جهات أوروبية وأميركية مارست ضغوطاً مكثفة على الشركات الإسرائيلية الموردة للغاز لمصر، من أجل تسريع تنفيذ اتفاقية زيادة واردات الغاز إلى مصر الموقعة في 7 أغسطس/آب 2025، والمعدلة لاتفاق عام 2019، وذلك قبل نهاية الأسبوع الجاري.

 

 وأوضح المصدر أن التدخلات الغربية هدفت إلى ضمان تشغيل محطات تسييل الغاز المصرية في أدكو ودمياط شمال البلاد، والتي تستقبل الغاز الإسرائيلي وتعيد تصديره لأوروبا، بما يوفر ما بين شحنتين وأربع شحنات شهرياً خلال فصل الشتاء، لتعويض توقف الغاز الروسي وضمان أمن الطاقة الأوروبي.

 

 صفقة ضخمة تحت مظلة التطبيع الاقتصادي رغم الأزمة السياسية بين القاهرة وتل أبيب منذ الموقف المصري الرافض لعمليات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، ودعمها لمشروعات إعادة الإعمار، فإن صفقة الغاز البالغة قيمتها نحو 35 مليار دولار ما زالت سارية، وإن واجهت عراقيل فنية وسياسية بفعل ضغوط اليمين الإسرائيلي.

 

 وتنص الاتفاقية المعدلة على رفع كميات الغاز المصدَّر إلى مصر إلى نحو 1.6 مليار قدم مكعب يومياً بحلول منتصف 2026، غير أن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم برفع معدلات الإنتاج كما هو متفق عليه، ما دفع وزارة البترول المصرية إلى إعادة النظر في خياراتها المؤقتة، مثل شراء الغاز المسال من السوق الفورية بأسعار أعلى، أو زيادة استيراد المنتجات البترولية ورفع أسعار الغاز للمصانع لتعويض الكلفة.

 

 واشنطن الوسيط والضامن

 

 التقارير الإسرائيلية أشارت إلى أن وزارة الطاقة في تل أبيب جمّدت تنفيذ الاتفاق مؤقتاً، بذريعة الحاجة إلى ضمان "مصالح السوق المحلية" والأمن في سيناء، وهو ما أثار قلق واشنطن، التي ألغت زيارة لوفد من وزارة الطاقة الأميركية كان مقرراً لإسرائيل هذا الأسبوع، احتجاجاً على مماطلة تل أبيب.

 

 ويقول محللون: إن "التدخل الأميركي لا يهدف فقط إلى إنقاذ الاتفاق التجاري، بل إلى تثبيت التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل في بنية الطاقة الإقليمية، بحيث تصبح مصر جزءاً لا ينفصل عن منظومة الغاز الصهيوني – الأوروبي، وهو ما يقطع الطريق أمام عودة التعاون العربي في مجال الطاقة، خصوصاً مع قطر أو الجزائر".

 

 مواقف وخلفيات سمير القرعيش، نائب رئيس "إيجاس" السابق وخبير البترول الدولي، يرى أن التهديدات الإسرائيلية بوقف التوريد ليست سوى رسائل ضغط سياسية على مصر، مؤكداً أن العقود ملزمة للطرفين ولا يمكن التخارج منها بسهولة.

 

لكنه دعا إلى مراجعة اتفاق أغسطس الأخير "الذي صيغ بما يربط مصر استراتيجياً بمصدر واحد للطاقة"..

 

 في المقابل، حذر مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول السابق، من أن أي تعطّل في التوريد سيكلف مصر أعباء مالية ضخمة، إذ إن بدائل الغاز المسال من السوق الفورية تصل إلى 13 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية، مقارنة بـ6.7 دولارات للغاز الإسرائيلي عبر الأنابيب، ما يضعف خطة القاهرة لتسويق نفسها كمركز إقليمي لتسييل الغاز.

 تطبيع الطاقة.. بوابة تبعية جديدة

 

يرى مراقبون أن الأزمة تكشف عن تحول استراتيجي خطير في معادلة الطاقة الإقليمية، إذ لم تعد مصر تكتفي بدور الوسيط التجاري، بل أصبحت رهينة لتوازنات تفرضها إسرائيل والغرب، في حين تُقصى خيارات التعاون العربي والإسلامي من المشهد.

 

 ويحذر هؤلاء من أن مشروع "الغاز مقابل التطبيع" يكرّس ارتهان القرار الاقتصادي المصري لإملاءات خارجية، ويحول دون أي استقلال طاقوي محتمل في المستقبل القريب.

 بينما تُقدَّم الصفقة على أنها نجاح اقتصادي، يرى خبراء أن الواقع يكشف تطبيعاً قسرياً مقنّعاً بغطاء اقتصادي، يُراد منه إحكام السيطرة الغربية والإسرائيلية على مفاصل الطاقة المصرية، ومنع أي عودة لمفهوم التعاون العربي في مجال الثروات الطبيعية.