هل تعكس التسريبات والبيانات الأخيرة غضباً داخل الجيش المصري؟ تثير موجة التسريبات والبيانات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، والمنسوبة لما قيل إنها حسابات قريبة من داخل المؤسسة العسكرية، جدلاً واسعاً حول ما إذا كانت تلك التحركات تمثل بالفعل مؤشراً على غضب متصاعد داخل الرتب المتوسطة في الجيش المصري بزمن الانقلاب ، بعد أن جرّد الخائن عبد الفتاح السيسي المؤسسة من دورها الوطني في حماية الأمن القومي والحدود، وأدخلها في دهاليز السياسة والاقتصاد حتى تغولت على الدولة نفسها. الجيش بين الدور الوطني والاحتكار الشامل يرى مراقبون أن السيسي حوّل الجيش من مؤسسة وطنية حامية للبلاد إلى إمبراطورية اقتصادية وسياسية تهيمن على كل مناحي الحياة، بينما تراجع دورها الحقيقي في حماية السيادة الوطنية، وخصوصاً بعد ترك إثيوبيا تبني سد النهضة دون ردّ، وقيام النظام ببيع تيران وصنافير ورأس الحكمة وأصول مصر للخليج بثمن بخس، وهو ما أثار استياءً داخل أوساط وطنية ترى أن الجيش ابتعد عن مهمته الأصلية. تسريبات غير مسبوقة بحسب محللين، فإن ما يُبث عبر بعض الحسابات من وثائق وأرقام قيد تخص ضباطاً داخل الجيش، يشير إلى أن مصدرها من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، ما يعكس – بحسب وصفهم – “تطوراً نوعياً غير مسبوق”. ويرى أحد المحللين أن هذه التسريبات ليست مجرد تصفية حسابات داخل النظام، بل هي رسالة وطنية من داخل الدولة العميقة تقول: “كفى انزلاقاً في هذا المستنقع”، خاصة في ظل ما يهدد البلاد ككل، وليس النظام فحسب. معارضة أكثر تنظيماً وجيلاً جديداً في المقابل، تشهد المعارضة المصرية في الخارج تحركاً مختلفاً هذه المرة. فهناك دعوات متزايدة لتفعيل دور جيل زد (Generation Z) بأساليب جديدة غير تقليدية، واستخدام أدوات مختلفة عن تلك التي سادت بعد 2013. ولفت مراقبون إلى الاحتجاجات أمام السفارات المصرية في أوروبا التي أحدثت قلقاً داخل النظام، إضافة إلى ظهور حركات تغيير جديدة مثل “حركة ميدان”، التي تحاول إعادة تفعيل الكتلة الإسلامية الكبرى ضمن رؤية سياسية أكثر انفتاحاً ومرونة، ما يشير إلى تنامي الحراك المعارض رغم القمع والمنافي والسجون. وعي متجدد وأساليب جديدة ويرى الخبراء أن استمرار الصوت المعارض رغم مرور 12 عاماً على الانقلاب يدل على عمق الأزمة وشرعية مطالب التغيير التي لم تمت رغم الزمن، مؤكدين أننا أمام وعي شعبي جديد وأدوات مواجهة مختلفة. ودعا الناشط يحيى موسى المعارضة إلى التقاط هذه الرسائل والتفاعل معها، وتقديم تصور وطني شامل للمستقبل، يضمن مشاركة جميع القوى – بما في ذلك مؤسسات الدولة – في أي عملية تغيير قادمة، شريطة أن تكون إرادة الشعب هي المحرك الأساسي، لا المؤسسة العسكرية. مستقبل غامض وتحولات قادمة واختتم موسى تحليله قائلاً إن “مصر لا تكون قوية إلا بجميع أبنائها ومؤسساتها المحترفة المتناغمة مع المزاج الشعبي”، متوقعاً أن تحمل الأيام المقبلة متغيرات حاسمة في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، قد تكون لمصر فرصة لاستعادة دورها الحقيقي إذا ما اتجهت البوصلة نحو استقلال القرار الوطني وتعظيم المكاسب وتقليل المخاطر. 12 عاماً من المعاناة منذ انقلاب السيسي على أول رئيس مدني منتخب، الشهيد الدكتور محمد مرسي، منتصف عام 2013، يعيش المصريون أوضاعاً اقتصادية متردية، مع تفاقم الفقر والديون والتضخم والبطالة، وبيع الأصول العامة، والتفريط في مقدرات البلاد. ويتهم معارضون السيسي بأنه أفقر المصريين ورهن مستقبلهم بالديون، بل شارك في حصار غزة لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ووقع اتفاقيات مشبوهة لاستيراد الغاز من الكيان المحتل، في وقت تدهورت فيه مؤشرات الأمن والمعيشة بشكل غير مسبوق. غضب شعبي لا يمكن التنبؤ به ويؤكد محللون أن رحيل النظام بات مسألة وقت، وأن الأجهزة الأمنية مهما بلغت قوتها لن تستطيع التنبؤ بلحظة الانفجار الشعبي، إذ يعيش ملايين المصريين حالة يأس غير مسبوقة، عبّروا عنها بوضوح عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعبارات مثل: “فضلنا نموت على نعيش كده” هل تكون هذه التسريبات بداية شرخ داخل المؤسسة العسكرية يعيدها إلى دورها الوطني؟ أم أن النظام سينجح في احتواء الغضب وشراء الولاءات؟ سؤال مفتوح تبقى الإجابة عليه رهن التحولات القادمة في الشارع والجيش معاً.