رغم توقف المعارك فى قطاع غزة بعد توقيع اتفاق شرم الشيخ ، إلا أن معركة أخرى ظهرت في الأفق وهي معركة الرفات أو معركة جثامين الأسرى الصهاينة ، والتي أدت لنشوب حرب إعلامية وتصريحات واتهامات متبادلة بين حركة حماس وحكومة الاحتلال .
اشتعلت "أزمة الرفات" أو جثامين الأسرى الصهاينة الذين قضوا في قطاع غزة، على مدار الأيام الماضية، رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى عامين من القتال حيز التنفيذ، وتسلّم دولة الاحتلال عدد من الجثامين، إلا أن تعثّر تسليم جميع الرفات المتبقية يهدد بانهيار تفاهمات هشة بُنيت بوساطة دولية مكثفة.
تهديدات الاحتلال
في ظل تهديدات الاحتلال باستئناف الحرب والمساعي الدولية لإنقاذ الموقف، تبدو الأزمة في جوهرها لوجستية-إنسانية، لكن تداعياتها السياسية قادرة على نسف الهدوء الهش، حيث تزايدت الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بشكل غير مسبوق، فمن جهة، تتهم دولة الاحتلال حماس بـ"المماطلة" و"انتهاك" الاتفاق، خاصة بعد تداول أنباء عن وجود عدد من الجثامين (يُقدر العدد المتبقي بنحو 18 جثماناً) لم يتم تسليمها بعد. وقد وصل الأمر إلى أن وزير الدفاع يسرائيل كاتس لوّح صراحة بـ"استئناف الحرب" وأمر الجيش بإعداد "خطة لسحق" حماس ما لم تتم استعادة جميع الجثث وفق تعبيره.
على نفس المنوال، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن "المعركة لم تنته بعد"، متعهداً بتأمين عودة رفات جميع الأسرى الصهاينة .
وشدد على أن دولة الاحتلال تقف في الخط الأول للمواجهة بين الهمجية والحضارة .
ولم يتوقف التصعيد عند حدود التهديد العسكري، بل لجأت دولة الاحتلال إلى التلويح بورقة إغلاق معبر رفح وتقليص المساعدات الإنسانية لغزة، كوسيلة ضغط مباشرة.
حركة حماس
في المقابل، أكدت حركة حماس التزامها بالاتفاق، مشيرة إلى أن تأخر إعادة ما تبقى من الجثامين يعود بشكل أساسي إلى حالة الدمار الهائلة التي خلفها العدوان الصهيوني على القطاع.
وقالت حماس ان هذا الدمار يجعل مهمة العثور على الرفات وانتشالها من تحت الأنقاض "تحدياً هائلاً" يتطلب وقتاً وجهداً كبيراً ومعدات ثقيلة غير متوفرة.
واتهمت نتنياهو بـ"عرقلة الجهود" والسعي لـ"التذرع" بملف الجثامين لتفادي التزاماته الأخرى بموجب الاتفاق.
عملية تنقيب معقدة
فى هذا السياق أكد خبراء وعسكريون أن هناك صعوبة فى العثور على باقي الجثث؛ إذ تشير التقديرات إلى أن أجزاء واسعة من القطاع تحولت إلى ركام، وأن البحث تحت هذا الكم الهائل من الأنقاض والذخائر غير المنفجرة هو عملية تنقيب معقدة .
وقال مصدر في حركة "حماس" للوسطاء ان الحركة سلمت كل ما لديها من رفات استطاعت الوصول إليه، وأن البقية تحتاج إلى عملية تنقيب وانتشال معقدة قد لا تتمكن منها المقاومة وحدها.
الرئيس ترامب
في ظل هذا المشهد، أظهر المجتمع الدولي، ممثلاً فى الولايات المتحدة، تفهماً جزئياً لصعوبة الموقف، فبينما قدم مسؤولون صهاينة لواشنطن معلومات تتهم حماس بأنها تتباطأ عمداً، قلّل كبار مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من شأن المخاوف الصهيونية.
وفي إشارة ذات دلالة، أكد ترامب أن حماس "تنقّب" بالفعل عن الجثث، مشيراً إلى أن العملية مروّعة وتستغرق وقتاً.
كما وصف أحد مستشاري البيت الأبيض مستوى الحطام في غزة بأنه أعلى بكثير من مستوى مركز التجارة العالمي، مؤكداً أن واشنطن لا ترى أن حماس تنتهك الاتفاق، وأن المشكلة تكمن في الحطام والذخائر غير المنفجرة.
وبناءً على ذلك، أكد مسؤولون أمريكيون أنهم لن يسمحوا بانهيار الاتفاق وأن جهودهم تتركز على توفير المساعدات اللوجستية والاستخباراتية لحل الأزمة.
قوة عمل متعددة الجنسيات
للوقوف في وجه هذه التهديدات وتجاوز العوائق اللوجستية، وافقت دولة الاحتلال على إدخال فرق دولية متخصصة للمساعدة في جهود البحث.
وفي هذا الإطار، ارسلت تركيا عناصر إنقاذ إلى غزة، لتكون جزءاً من قوة عمل متعددة الجنسيات تضم أيضاً الولايات المتحدة ومصر وقطر واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وفي تفاصيل هذه الجهود، قال مسؤول تركي ان هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية سترسل أكثر من 80 متخصصاً من ذوي الخبرة في الاستجابة للزلازل للمساعدة في انتشال الجثامين.
وبالتوازي، كشفت مصادر في حماس أنه تم الاتفاق على أن تبدأ فرق فنية مصرية وتركية المساعدة في عمليات انتشال الجثامين المتبقية الأسبوع المقبل، بتنسيق مباشر مع الجانب الصهيونى لتسهيل دخول الخبراء والمعدات الثقيلة المتخصصة إذا لزم الأمر.
جثامين الفلسطينيين
في المقابل كشفت الأزمة عن وجه آخر للمعاناة الإنسانية؛ إذ قامت دولة الاحتلال بالإفراج عن دفعات من جثامين الأسرى والشهداء الفلسطينيين الذين كانوا محتجزين لديها، وكشفت السلطات الصحية في غزة أن بعض هذه الجثامين تحمل "آثار تعذيب وحروق"، مما يثير اتهامات للاحتلال بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب بحق الأسرى الفلسطينيين قبل إعادتهم، ليُضاف ملف هذه الجثامين إلى تعقيدات المشهد الإنساني.
ضمانة دبلوماسية
ويرى المراقبون أن ملف الجثامين يمثل نقطة ضغط حساسة، لكنها ليست بالضرورة نقطة النهاية.
ورجح المراقبون أن تنجح الدبلوماسية في تجاوز "أزمة الرفات"، عبر تحويلها من خلاف سياسي إلى مهمة لوجستية. فبدلاً من التركيز على اتهام حماس بـ"الانتهاك"، يركز الوسطاء الآن على تمديد غير معلن للعملية، وتوفير الدعم الفني اللازم.
وفي نهاية المطاف، فإن إدخال الخبراء والمعدات هو الضمانة الدبلوماسية الوحيدة لدفن الرفات في دولة الاحتلال، ودفن أزمة الانهيار في غزة، حيث أن وقف إطلاق النار الهش سيبقى صامداً بصعوبة، مع بقاء الدمار ومخاطر الذخائر غير المنفجرة التحدي الأكبر أمام مهمة البحث الإنسانية واللوجستية بالغة الصعوبة.