حذر خبراء اقتصاد ومطورون عقاريون من حدوث فقاعة عقارية فى السوق المصرى بسبب زيادة المعروض من العقارات وتراجع الطلب بجانب زيادة حالات الغاء التعاقدات مع الشركات نتيجة تعثر العملاء فى سداد أقساط الوحدات التى تعاقدوا عليها .
هذه التحذيرات آثارت جدلا فى الأوساط المجتمعية والاقتصادية خاصة مع لجوء الشركات العقارية إلى إتاحة أنظمة سداد طويلة الأجل تصل إلى مدد تتراوح بين 10 و12 و16 سنة، مقارنة بـ5 أو 6 سنوات فقط خلال الفترات الماضية.
كان أحد كبار المستثمرين قد أكد أن مصر تشهد حاليا فقاعة عقارية، محذرا من تأثيرها على سوق العقارات الذى يعانى من ارتفاع حاد فى الأسعار ونقص فى المعروض من شقق متوسطى ومحدودى الدخل، فى حين أن هناك زيادة فى العقارات المعروضة للأثرياء.
التمويل العقارى
فى هذا الصدد، قالت الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن لفظ الفقاعة العقارية جاء من الأزمة المالية العالمية عام 2008، ويختلف عما يتم تداوله فى مصر حاليا وما يقال بأننا مقبلون على فقاعة فى السوق العقارى.
وأضافت «يمن الحماقى» فى تصريحات صحفية أن دور الفقاعة العقارية فى الأزمة المالية العالمية تمثل فى أن البنوك أفرطت فى تمويل شراء العقارات، والجدارة الائتمانية لهذه القروض كانت ضعيفة، وبالتالى تعثر المقترضون فجأة عن السداد، وانهارت البنوك المقرضة وأسواق المال، وتبعها انخفاض فى أسعار العقارات، ولذلك أطلق عليها فقاعة عقارية.
وتابعت : فى حالة مصر الأمر مختلف لأن البنوك تضع ضوابط عديدة على التمويل العقارى، وإن كانت نسبة التمويلات العقارية قد زادت مؤخرا، إلا أن الضوابط ما زالت موجودة ومطبقة .
وأشارت «يمن الحماقى» إلى أن ما يُثار حاليا بأن كمية العقارات المعروضة تزيد، وبعدها سينهار السوق العقارى، بسبب صعوية عمليات البيع والشراء، غير وارد فى ظل التوجهات الحالية بدعم القطاع العقارى، وزيادة الطلب على مناطق معينة مثل الساحل الشمالى رغم ارتفاع أسعاره.
وأوضحت أن التوسع فى الاستثمار العقارى حاليا تصاحبه زيادة فى الطلب السياحى مع انتعاش السياحة المصرية مؤخرا، وما يحدث هو توسيع لعملية العرض مع الطلب المتزايد، وبالتالى من غير الوارد حدوث فقاعة، خاصة إذا تم إدارة ملف السياحة بكفاءة أفضل.
وتوقعت «يمن الحماقى» : إن يساهم تحسين الخدمة السياحية والاهتمام بالسياحة العلاجية فى زيادة الطلب على المنتج العقارى المصرى، واستغلال الوحدات المغلقة بجانب الوحدات الجديدة.
إلغاء التعاقدات
وقال المهندس طارق شكرى، رئيس غرفة التطوير العقارى: نحن نسمع عن هذه الفقاعة منذ عام 2010 لكنها لم تحدث، معتبرا أن مفهوم الفقاعة العقارية غير مطابق للحالة المصرية، لأنها تعنى وجود سلعة عليها تزاحم فيصبح سعرها منتفخا لأن المنافسة عليها شديدة، لكن فى مصر المعروض كثيف والطلب كثير، خاصة مع طرح دولة العسكر والمطورين وحدات جديدة سنويا، وبالتالى لا يوجد احتمالية للفقاعة العقارية، كما أنه لا يوجد لدينا منتج عقارى يتم احتكاره من جانب البعض حتى تحدث الفقاعة.
وأضاف «شكرى» فى تصريحات صحفية أن نسبة التمويل العقارى فى مصر تبلغ 3%، على عكس ما حدث فى الأزمة المالية العالمية عام 2008، التى وصل فيها التمويل لـ100%، وبالتالى معظم التعاملات من أموال المواطنين، موضحا أن الحالة الموجودة الآن فى السوق العقارى تتمثل فى أن الأقساط الخاصة بالوحدات أصبحت مرتفعة مقارنة بدخل العملاء، وبالتالى لجأت الشركات إلى زيادة مدة التقسيط إلى 10 و12 سنة حتى من أجل تخفيض قيمة القسط على العميل ليكون فى قدرته المالية.
واعتبر أن ما يُثار بشأن إلغاء بعض التعاقدات داخل السوق لا يمثل تهديدا لاستقرار القطاع العقارى، لأن النسب التى تم تسجيلها خلال النصف الأول من العام الجارى جاءت أقل من الحدود الطبيعية التى تشهدها أسواق العقارات عالميا.
حالات فردية
وأكد «شكرى» أن حالات الإلغاء غالبا ما ترتبط بظروف فردية تخص العملاء، سواء نتيجة تغير أوضاعهم الاقتصادية أو إعادة ترتيب أولوياتهم الاستثمارية، وليست بسبب ضعف الطلب أو تراجع الثقة فى السوق .
وكشف أن حالات الإلغاء الطبيعية تتراوح بين 10 و12%، ونسبة الإلغاء فى بعض الشركات لم تتجاوز 6%، وبالتالى لا توجد مشكلة فى السوق، لافتا إلى أن حجم الإلغاءات المعلن من بعض الشركات، يعتبر متوافقا مع النمو الكبير فى المبيعات خلال الفترة الماضية، ما يعكس قوة الطلب واستمرار تدفق الاستثمارات فى القطاع.
وأشار «شكرى» إلى أن العقار يعد الاستثمار الأكثر أمنا، والطلب يفوق العرض بشكل مستمر، ما يجعل أى وحدات ملغاة تعود بسرعة إلى السوق وتباع مرة أخرى دون أن تشكل أى عبء على الشركات.
عجز متوارث
وأكد المهندس أحمد صبور، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن الفقاعة العقارية تعنى أن المعروض أكثر من المطلوب وبسعر أعلى من قدرات العملاء، ويصاحب ذلك عدم وجود طلب على الشراء فى السوق، ووقتها يضطر المطورون العقاريون لتخفيض الأسعار، وفى هذه الحالة ينتظر العملاء مزيدا من التخفيضات ويتوقفون عن الشراء .
وقال«صبور» فى تصريحات صحفية إن الفقاعة العقارية حدثت فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008، لأن المطورين العقاريين فى ذلك الوقت لم يكونوا قادرين على استكمال أعمالهم، وفى الوقت نفسه تعثر العملاء فى السداد للبنوك .
وأشار إلى أن التمويلات العقارية لشراء الوحدات فى مصر ليست منتشرة بشكل كبير موضحا أن نسبة التحصيل فى عدد كبير من الشركات العقارية تصل إلى 98%، ما يعنى التزام العملاء فى سداد الأقساط.
ولفت «صبور» إلى أن القطاع العقارى يعد الوجهة الأكثر أمانا وجاذبية للاستثمار، رغم التحديات الاقتصادية التى مر بها خلال السنوات الماضية، من تعويم للعملة وارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار.
وتابع: العقار فى مصر وعلى مدار أكثر من 40 عاما، كان يحقق معدل زيادة سنوية فى الأسعار نحو 26%، ولذلك الاستثمار العقارى هو الخيار الأفضل للمواطنين كاستثمار طويل الأجل، لكن يجب التأكيد على أنه من غير المنطقى أن يشترى عميل وحدة عقارية ويتوقع أن يحقق منها ربحا بعد 6 أشهر فقط .
وأوضح «صبور» أن الاستثمار العقارى يحتاج إلى فترة لا تقل عن 4 سنوات حتى يحقق عوائد مجزية، لأنه يندرج تحت الاستثمار متوسط وطويل الأجل مؤكدا أن السوق المصرى يعانى من عجز متوارث فى الوحدات السكنية يقدر بنحو 4 ملايين وحدة فى جميع شرائح الإسكان المختلفة، بالإضافة إلى احتياج سنوى يقدر بمليون وحدة جديدة، ما يعنى أن السوق لا يزال فى حاجة للاستثمار، والعرض لا يغطى الطلب حتى الآن.