حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية وخبراء ومراقبون مما يسمى بخطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط وإنهاء الحرب الصهيونية في غزة .
وقالت الفصائل: إن "خطة ترامب تمثل تبنيًا كاملًا لمطالب الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني التوسعي، مؤكدين أنها تحقق حلم نتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال".
وأكدت رفضها للحديث عن نزع سلاح المقاومة من دون أن يكون ذلك مرفقًا بإقامة دولة فلسطينية، معتبرة الخطة محاولة لفرض صيغة استسلام على المقاومة والشعب الفلسطيني .
وأشارت الفصائل إلى أن الخطة تقوض مبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتدفعه نحو الوصاية الدولية، بما يعني تكريس الاستعمار بأوجه جديدة مؤكدة أنها تحقق حلم نتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال وسيطرته على غزة بمباركة دولية.
تدويل القطاع
في هذا السياق قال مصدر قيادي بارز في حركة حماس: إن "قيادة حماس ووفدها المفاوض تسلموا الخطة خلال اجتماع الاثنين الماضي في العاصمة القطرية الدوحة مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ورئيس المخابرات المصرية حسن رشاد".
وأكد قيادي حماس – طلب عدم نشر اسمه – أن الوفد المفاوض بدأ دراسة الخطة، وحول الموقف الأولي منها قال: إنها "بشكلها الحالي غير مقبولة، وعليها بعض التحفظات".
فيما أكد قيادي آخر بالحركة أنهم يرفضون فكرة تدويل القطاع أو الإدارة الدولية له، وإن الحركة تتمسك بإدارة فلسطينية من شخصيات تكنوقراط غير فصائلية مشددًا على أن حماس مستعدة للتخلي عن حكم القطاع في إطار أي اتفاق يتم التوصل إليه .
وأضاف أن الحركة ترفض أيضًا الحديث عن نزع سلاح المقاومة من دون أن يكون ذلك مرفقًا بإقامة دولة فلسطينية.
وأشار القيادي إلى أن حماس سبق وأكدت للوسطاء استعدادها لإبرام هدنة طويلة الأمد، في إطار الحديث عن حلول يمكن التوافق عليها، طالما أنه لا يوجد حتى الآن حديث عن إقامة الدولة الفلسطينية.
وأوضح أن الحركة مستعدة لتسليم الأسرى دفعة واحدة بعد مهلة لا تتجاوز الأسبوع لجمع الجثامين، ولكن ذلك مشروط بالتوصل إلى اتفاق يراعي الحقوق والمطالب الفلسطينية.
صيغة استسلام
وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – : إن "ما يسمى بخطة ترامب التي تحقق لنتنياهو أهدافه السياسية من خلال حربه على غزة، هي برنامج أمني سياسي متكامل لفرض صيغة استسلام على المقاومة والشعب الفلسطيني، ووصفت بنود الخطة بأنها ضبابية تستوجب دقة عالية في التعاطي معها من موقع المصلحة الوطنية العليا".
وقال أبو علي حسن عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: إن "خطة ترامب وصفة لإدارة الحرب لا لإنهائها، وإنها تضرب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، في محاولة بائسة لفصل غزة عن الكيانية والجغرافيا السياسية الفلسطينية".
وأضاف حسن في تصريحات صحفية أن الخطة تقوّض مبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتدفعه نحو الوصاية الدولية، بما يعني تكريس الاستعمار بأوجه جديدة.
واعتبر أنها مُعدّة لإنقاذ الاحتلال الذي فشل على مدار عامين في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية من وراء الحرب.
خطر وجودي
وقال أركان بدر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: إن "خطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة تستهدف اجتثاث الكل الفلسطيني، وأنها تطال فتح وحماس والجهاد وكل المكونات الوطنية، متنكرة لوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة".
ودعا بدر في تصريحات صحفية إلى عقد اجتماع فوري للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، والاتفاق على استراتيجية وطنية كفاحية شاملة لمواجهة ما وصفه بـ"الخطر الوجودي".
حلم نتنياهو
وقال أيمن الششنية الأمين العام للجان المقاومة في فلسطين: إن "خطة ترامب تمثل تبنيًا كاملًا لمطالب الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني التوسعي، معتبرًا أنها تحقق حلم نتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال وسيطرته على غزة بمباركة دولية".
وأضاف الششنية في تصريحات صحفية أن الخطة محاولة لهندسة قطاع غزة وفق مفهوم استعماري – استثماري – أمني هدفه الأول والأخير إنقاذ الكيان الصهيوني من عزلته وتوسيع التحالفات الإقليمية العربية – الصهيونية لاستعادة مسار التطبيع والاتفاق الإبراهيمي.
خطة نتنياهوية
وقال السفير أحمد مجاهد: إن "ما يسمى بمبادرة ترامب للسلام في غزة، تحمل في طياتها بذور فنائها؛ مؤكدا أن درجة "الافترا" وفرض الإذعان فيها لا تسمح بنجاحها بشكلها وعناصرها الحاليين".
وقال مجاهد عبر "فيسبوك": "الخطة نتنياهوية في صلبها، مغلفة بلمسات ترامبية، منطلقاتها عنصرية تتعامل مع الشعب الفلسطيني وشعوب ودول المنطقة على أنهم زائدة دودية حضارية، أو لا شيء، أو في أحسن الأحوال سكان عشوائيات عنيفة ينبغي انتشالهم وترقيتهم وتحضيرهم للانتقال إلى مساكن فارهة "شيك" بقيم جديدة".
وأوضح أن الخطة تتأسس على عقيدة "صهيونية – إفانجيليكية" تدفع لانتصار دولة الاحتلال استعجالًا لعودة المسيح المخلص، والإسراع بألفية نهاية الزمان (الذي – للمفارقة – يقضي فيه المسيح بعد عودته على اليهود ليعيش العالم في إيمان وسلام، وفق رواية الصهيونية – الإفانجيليكانية).
ولفت مجاهد إلى أن خطة ترامب تقوم على أسس شخصية لطرفيها: نتنياهو الذي يسعى لدخول التاريخ الصهيوني بدلًا من السجن، وترامب الذي يحاول تحقيق أحلامه الغريبة في الحصول على جائزة نوبل للسلام "بالعافية"، وأيضًا لتعزيز شعبيته لدى قاعدته الانتخابية الواسعة من الصهيونيين – الإفانجيليكان.
سلام الردع
وأضاف: بطبيعة الحال تتعلق الخطة بأسباب استراتيجية، تتصل – من وجهة نظر نتنياهو – بضرورة اغتنام لحظة الزخم العسكري الصهيوني في المنطقة، وفرض الامتداد الميداني وسلام الردع الدائم مرة واحدة وللأبد.
أما من وجهة نظر ترامب، فهي تأديب أولئك الذين لا يؤمنون بجبروته في المنطقة من ناحية، والحفاظ على مصدر دخل ابتزازي دائم لإدارته وله ولأسرته من ناحية أخرى، واستراتيجيًا، بالإبقاء على حصن متقدم أمريكي في الشرق الأوسط للحفاظ على طرق نقل المحروقات، ومواجهة الصين، والحذر الدائم من القدرة المصرية الكامنة.
وقال مجاهد : "من الواضح أن كل الدول العربية والإسلامية التي رحبت بخطة ترامب – ربما باستثناء دولة أو دولتين – تحاول امتصاصه وأخذه "على قد عقله" حتى تفشل خطته وحدها، اقتناعًا منها بأنها خطة تلفيقية مركبة بلا مستقبل".
واعتبر أن شكل الخطة يشبه خطة مطور عقاري دولي هدفه الأول الربح المادي (على حساب غزة والفلسطينيين، ولكن أيضًا – وبقدر ما – على حساب نتنياهو ودولة الاحتلال)، بينما صلبها وصاية استعمارية أمريكية مباشرة في قلب المنطقة، لصالح شبكة من المصالح الدولية والإقليمية – الظاهرة والباطنة – في القلب منها دولة الاحتلال.
إدارة غزة
وأوضح مجاهد أنه مع ذلك، في ظل مأزق "كاتش 22" الذي يواجه جميع أطراف المشهد، وعدم وجود حل مُرضٍ، وعدم قدرة أي طرف على تحقيق أو إعلان الانتصار، ورغبة الجميع في إنهاء هذه الحرب التي أحرجت الكثيرين بجرائمها وطالت أكثر مما ينبغي، ستحاول بعض الدول بذل جهود حثيثة لإقناع حماس بالقبول، وقد تعلن حماس موافقتها مع بعض التعديلات.
وتابع: يظل المحك الحقيقي هو من يحكم غزة، ومن يملك سلاحها. يريد ترامب – في مقابل إقناعه نتنياهو بمنع التهجير القسري للفلسطينيين – أن يورط دولًا عربية وإسلامية في إدارة غزة، سواء بقواتها أو بالاعتماد على ميليشيات فلسطينية تتعامل مع دولة الاحتلال، وهو مأزق الدول العربية والإسلامية الكبيرة أذكى من أن تقع فيه، إلا إذا أعربت حماس صراحة عن ترحيبها بذلك. وحتى في هذه الحالة، فإن تحمل أي دولة عربية أو إسلامية المسؤولية عن إدارة نتائج الحرب الإجرامية الصهيونية سيكون أمرًا يستحق التفكير والدراسة بشكل دقيق قبل إبداء الموافقة عليه.
وقال مجاهد: "لا يمكن للصفقات الأمنية – العقارية وحدها أن تحل مشكلات سياسية دولية، لا سيما إن كانت هذه الصفقات فجّة في انحيازها، وبالذات في حالة المشكلات ذات الطبيعة المركبة مثل القضية الفلسطينية، التي يختلط فيها التاريخي بالديني بالقومي بالاستراتيجي".