الحرائق في زمن المنقلب السفيه السيسي"المتعاص " لم تعد مجرد حوادث عرضية، بل تعبير صارخ عن تفكك مؤسسات الدولة المدنية وهيمنة منطق "الإهمال المنظم" لصالح شبكات فساد تغض الطرف عن مخالفات جسيمة. وإذا كان حريق سنترال رمسيس قد مثّل رمزاً لفشل منظومة الدولة، فإن حريق المحلة يكشف الوجه القاتم للاقتصاد غير المنظم الذي يُدار بعيداً عن أعين الرقابة، في دولة تتراجع فيها قيمة المواطن أمام مصالح شبكات المال والسلطة.
مشهد النيران والدخان الأسود المتصاعد من مبانٍ سكنية أو مصانع مصرية لميعد حدثاً استثنائياً، بل تحوّل إلى عنوان متكرر في شبه دولة السيسي، وسط تساؤلات عن غياب الرقابة وانهيار منظومة الدفاع المدني، وغياب أي مساءلة سياسية حقيقية عن خسائر بشرية متواصلة.
مأساة المحلة.. مصنع بلا ترخيص
آخر الكوارث جاءت من دلتا النيل، حيث ارتفع عدد ضحايا حريق مصنع الملابس الجاهزة بالمحلة الكبرى إلى 13 قتيلاً بينهم رجل إطفاء، إضافة إلى 35 مصاباً.
المصنع الذي يعمل دون ترخيص، مقام وسط منطقة سكنية مكتظة، ويفتقر إلى أبسط معايير السلامة المهنية. ومع انهيار المبنى إثر انفجار غلاية، تحولت حياة العمال وأسرهم إلى مأساة مفتوحة. شهادات الأهالي ورجال الإسعاف رسمت صورة مروعة عن انهيار سقف المصنع والدخان الخانق والجثث المتفحمة.
النيابة الإدارية كشفت أن المصنع غير مرخص وأن العمال غير مؤمن عليهم، في مشهد يختصر منظومة كاملة من الفوضى والفساد الإداري، حيث المرافق تُوصل إلى مبانٍ مخالفة وتُترك لتعمل بلا أي رقابة.
من المسؤول؟
تؤكد المعاينات أن العمال لم يكونوا مؤمّنين أو مسجلين بعقود عمل رسمية، ما يفتح الباب أمام استغلال فجّ للعمالة الرخيصة في ظل صمت الجهات الرقابية. واعتبرت منظمات عمالية أن ما جرى "ليس حادثاً عرضياً بل نتيجة مباشرة لغياب منظومة السلامة والصحة المهنية"، محذّرة من أن استمرار هذا النهج يعني ببساطة "انتظار الكارثة التالية".
الحرائق.. ظاهرة متصاعدة
حادث المحلة يعيد للأذهان سلسلة حرائق ضخمة شهدتها مصر في عهد السيسي، أبرزها:
حريق محطة رمسيس (فبراير 2019): انفجار جرّار قطار بعد اصطدامه بالمصدّات الحديدية داخل المحطة، ما أسفر عن أكثر من 20 قتيلاً وعشرات المصابين، وتحول قلب القاهرة إلى ساحة من النيران والدخان.
حريق مستشفى الحسين الجامعي (2018): الذي تسبب في إصابات خطيرة وكشف ضعف الاستعدادات الطبية والأمنية.
حريق كنيسة أبو سيفين (2022): الذي أودى بحياة 41 شخصاً بينهم أطفال، وسط اتهامات بفشل الحماية المدنية في سرعة التدخل.
إضافة إلى حرائق متكررة في مخازن وزارات، مصانع، ومراكز تجارية كان يمكن تفاديها لو وُجدت رقابة حقيقية.
الكارثة أبعد من حريق
التحقيقات الرسمية عادة ما تنتهي بتصريحات عن "ماس كهربائي" أو "إهمال فردي"، لكن المتابعين يرون أن جذور الأزمة مرتبطة بـ:
ضعف الرقابة الحكومية وتواطؤ الأجهزة المحلية مع أصحاب المصانع المخالفة.
غياب الشفافية في إعلان نتائج التحقيقات.
تهميش الدفاع المدني وتجاهل تطوير قدراته بما يتناسب مع حجم المخاطر.
انشغال النظام بالإنفاق السياسي والعسكري على حساب الخدمات الأساسية للمواطنين.
دماء بلا ثمن
في كل مرة تسقط أرواح بريئة، تُعلن الحكومة صرف تعويضات مالية زهيدة، كما حدث في المحلة (400 ألف جنيه لأسرة الضحية). لكن تلك التعويضات لا تعالج جذور الأزمة، ولا تعيد الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها من كوارث تتكرر بوتيرة مفزعة.
الدفاع المدني الغائب
اللافت أن رجال الدفاع المدني أنفسهم يدفعون حياتهم ثمناً لهذا الإهمال، كما حدث في المحلة حين سقط أحدهم أثناء محاولة إنقاذ العمال، وهو مشهد يتكرر في معظم الحرائق الكبرى. السؤال الذي يتردد على ألسنة المصريين: أين هي منظومة الحماية المدنية التي يُفترض أن تمنع وقوع مثل هذه الكوارث أصلاً؟
أين الحماية المدنية؟
ورغم مليارات الجنيهات التي يعلن النظام عن إنفاقها على البنية التحتية والمشروعات القومية، تكشف هذه الكوارث هشاشة البنية الأساسية للحماية المدنية. فالمصانع تعمل بلا تراخيص، والمباني تُزوّد بالكهرباء والمياه رغم عدم قانونيتها، في مشهد يشي بأن الفساد الإداري والمالي هو الحاكم الحقيقي.
حرائق كبرى في عهد السيسي
منذ تولي السيسي السلطة، شهدت مصر سلسلة حرائق كبرى كشفت حجم التراخي الإداري:
- ىحريق محطة رمسيس 2019: الذي أودى بحياة 22 شخصاً وأصاب العشرات، بعدما تحولت المحطة الرئيسية للقطارات إلى كتلة من اللهب نتيجة الإهمال.
- حريق مستشفى الحسين الجامعي 2018: أدى إلى إجلاء مئات المرضى وكشف ضعف البنية التحتية للمستشفيات الحكومية.
- ىحريق كنيسة أبو سيفين 2022: أسفر عن مقتل 41 مصلياً بينهم أطفال، بسبب غياب إجراءات السلامة وتعطل مخارج الطوارئ.
- حريق مصنع العبور 2021: الذي تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى داخل مصنع بلا اشتراطات أمان.
- حريق سنترال رمسيس الذي راح ضحيته مهندس ، بوزارة الاتصالات، و أدى لتوقف الخدمات المصرفية لمدة أسبوع ، فضلا عن تعطل خدمات الاتصال والانترنت فى كارثة كشفت إنهيار البنية التحتية للبلاد رغم إهدار مئات المليارات على مشاريع السيسى برعاية عصابة العسكر .
هذه الحوادث وغيرها ليست استثناءات، بل مؤشرات على غياب منظومة متكاملة للسلامة العامة، وتغوّل الفساد الإداري الذي يسمح بترخيص وهمي أو بتجاهل مخالفات صارخة.
الفساد والربح على حساب الأرواح
يرى مراقبون أن جذور المشكلة تعود إلى منظومة حكم لا تضع حياة المواطنين في أولوياتها، بل تفتح المجال لمصانع غير مرخصة تعمل في قلب المناطق السكنية لتحقيق الربح السريع، فيما تغض الأجهزة الرقابية الطرف مقابل رشاوى أو مجاملات.
دار الخدمات النقابية والعمالية شددت على أن ما جرى في المحلة ليس حادثاً عرضياً بل "جريمة إهمال ممنهج"، مطالبةً بمحاسبة المسؤولين عن غياب الرقابة، والتساهل في منح التراخيص أو في السكوت عن غيابها.
دولة بلا مساءلة
رغم بيانات رسمية عن التعويضات للأسر المنكوبة، تبقى الأسئلة الجوهرية بلا إجابة: لماذا يُترك آلاف المصانع تعمل بلا تراخيص ولا اشتراطات سلامة؟ لماذا لا تُحاسب الجهات الرقابية المقصّرة؟ ولماذا لا نرى استقالات أو محاكمات لمسؤولين كبار بعد كل هذه الكوارث؟
الكارثة في مصر لم تعد مجرد حريق يُطفأ، بل واقع سياسي وإداري يكرس الإهمال ويعيد إنتاج المأساة. وفي ظل غياب المحاسبة والشفافية، فإن السؤال لم يعد عن آخر الحوادث، بل عن متى وأين ستقع الكارثة التالية؟