تتفاقم أزمة الدواء في مصر يوماً بعد يوم، وسط عجز المستشفيات العامة والصيدليات عن توفير مئات الأصناف الأساسية، بما في ذلك أدوية السرطان والأمراض المزمنة.
الأزمة ليست عابرة ولا نتيجة نقص عرض عالمي، بل مرتبطة بشكل مباشر بديون هيئة الشراء الموحد التي تجاوزت 43 مليار جنيه، منها 23 ملياراً لصالح شركات الأدوية.
في بلد يئن تحت الغلاء، يجد المصريون أنفسهم أمام مأساة مزدوجة: أسعار الدواء ارتفعت بنسبة وصلت إلى 500% خلال سنوات الانقلاب، والآن الدور على اختفاء الدواء نفسه بسبب تراكم الديون وفقدان السيولة. فبينما تنهار خطوط إنتاج، تعجز الشركات عن استيراد المواد الخام نتيجة فرق العملة وعدم التزام الهيئة بتسديد مستحقاتها. النتيجة: نقص 800 صنف دواء في السوق المحلي، في مشهد يهدد حياة ملايين المرضى.
الأولويات المقلوبة في عصر المنقلب
المفارقة أن السيسي الذي يزعم "الحنية" على المصريين، لم يجد ما ينفق فيه مليارات الجنيهات سوى قصوره الرئاسية، وعاصمته الإدارية، والقطارات المعلقة للمحظيين، بينما يترك أهم هيئة سيادية مسئولة عن حياة المرضى غارقة في الديون. فأي دولة يمكن أن تقدم على تدمير منظومة الدواء في سبيل مشاريع وهمية لا يستفيد منها سوى الدائرة الضيقة من الجنرالات والمقاولين؟
هيمنة عسكرية على الدواء
القانون الذي أصدره السيسي عام 2019 بإنشاء هيئة الشراء الموحد، جعلها الكيان الوحيد المتحكم في سوق الدواء والمستلزمات الطبية. القانون نقل صلاحيات وزارة الصحة ونقابة الصيادلة إلى هيئة يرأسها لواء عسكري، ما حول ملف الصحة إلى ملف أمني تجاري، بعيداً عن أي اعتبارات إنسانية أو مهنية. منذ ذلك الحين، شهدت مصر تراجعاً كارثياً في توافر الأدوية الأساسية، مقابل ازدهار سوق الأدوية المهربة والمغشوشة، التي تُباع خارج الصيدليات عبر سماسرة يستغلون عجز الدولة.
بين نقص الدواء وغلاء العلاج
الأزمة الحالية لا تقتصر على العجز في التوريد، بل تتزامن مع زيادات فلكية في أسعار الأدوية وصلت إلى 100% لبعض الأدوية المزمنة خلال عام واحد، بينما يعجز المواطن محدود الدخل عن شراء علاجه اليومي. والآن، مع شح الأدوية، قد يجد مريض السرطان أو القلب نفسه أمام خيارين: إما شراء دواء مهرب مغشوش من السوق السوداء، أو مواجهة الموت البطيء.
أي "حنية" هذه؟
يتحدث السيسي دوماً عن "الحنية" على المصريين، لكنه يتركهم بلا دواء، بعد أن استنزف جيوبهم بزيادات الأسعار والضرائب. لم تعد المأساة في الارتفاع الجنوني للأسعار فحسب، بل في غياب العلاج نفسه. أين الأولويات إذن؟ أهي في إنقاذ حياة المصريين، أم في إنقاذ مشاريع السيسي الفاشلة التي تبتلع المليارات؟