السكن البديل مجرد مسكنات …مستأجرو الإيجار القديم : مصيرنا مجهول ولا نثق فى وعود حكومة الانقلاب 

- ‎فيتقارير

 

بعد التعديلات الأخيرة التى أقرتها حكومة الانقلاب تحول قانون «الإيجار القديم» من مظلة حماية اجتماعية إلى كابوس يهدد استقرار مئات الآلاف من الأسر المصرية، فما كان يُعرف بـ«عقد إيجار مدى الحياة» أصبح له نهاية وشيكة، ما يضع سكاناً قضوا عمرهم فى منازلهم أمام مصير مجهول، وفى مقدمتهم كبار السن الذين لا يملكون ملاذاً آخر.  

قانون الإيجار القديم كان يمثل ضماناً اجتماعياً للملايين، فقد سمح لهم بالسكن فى منازل آمنة ومستقرة مقابل إيجارات رمزية، ما منحهم شعوراً بالأمان فى ظل متغيرات اقتصادية متسارعة.   

ومع التعديلات الأخيرة، التى تهدف إلى تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، بدأت ملامح هذا الأمن تتلاشى. فالمستأجرون، خاصةً كبار السن، وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما دفع إيجار لا يقدرون عليه، أو ترك منازل أصبحت جزءاً من تاريخهم وحياتهم، رغم أن حكومة الانقلاب تعهدت بتوفير مساكن بديلة لهؤلاء السكان، لكن هل هذه المساكن جاهزة بالفعل؟.. وهل ستكون فى مناطق قريبة أم ستكون نائية وغير مناسبة للفئات الأكبر سناً؟. 

 

كل ذكرياتى 

 

حول مأساة مستأجرى الإيجار القديم قالت الحاجة أمينة، 75 عاماً، من مستأجرى منطقة وسط البلد : عشت فى هذا البيت منذ زواجى، وهو ليس مجرد جدران بالنسبة لى، بل هو كل ذكرياتى.  

وأضافت : اليوم، يطلب منى المالك مبلغاً لا أملكه. إلى أين أذهب؟ ليس لى أحد سوى الله وهذا البيت.. 

 

مصير مجهول 

 

وكشف «أحمد.ر»، تجاوز الستين من عمره من سكان منطقة مصر الجديدة، عن كابوس يلاحقه منذ إقرار تعديلات قانون الإيجار القديم.  

وقال: عمرى تعدى 65 عاماً، وأنا على المعاش، ونفسيتى تدهورت بعد أن فتح القانون لنا طريقاً مظلماً ومصيراً مجهولاً. 

وأشار أحمد، الى أنه يواجه، حيرة كبيرة مع تقدمه فى السن وتراجع صحته، مؤكدا أن فكرة الانتقال من مكان أمضى فيه عقوداً من الزمن، إلى آخر لا يعلم عنه شيئاً، تشكل عبئاً نفسياً وجسدياً لا يقوى على تحمله. 

ووصف العلاقة بين المستأجر والمالك بأنها باتت تحت رحمة المالك، وتعديلات القانون تعد فرصة ذهبية للملاك، خاصة فى المناطق الراقية مثل مصر الجديدة. فبعد تطبيقه، أصبح للمالك صلاحية تأجير الوحدة بمبالغ طائلة، وهذه بالنسبة له صفقة رابحة، يدفع ثمنها المستأجر البسيط بعدما أفنى عمره فى ذلك المسكن. 

وأوضح أحمد أن القانون الجديد حول العلاقة التعاقدية إلى صراع، حيث يرى كل طرف أنه صاحب الحق الأصيل، فالمالك يرى أن من حقه الاستفادة من ملكيته، بينما يرى المستأجر أن من حقه الاستقرار بعد كل هذه السنوات. 

 

السكن البديل  

 

وعن فكرة السكن البديل، أكد أن الألم ليس مادياً فقط، بل يتجاوزه إلى حالة من عدم اليقين قائلا : لو نملك أموالاً، كنا غيرنا مسكناً قبل صدور القانون واتجهنا للتمليك.  

وتساءل أحمد : لا نعلم عن قيمة السكن وجودته والمنطقة التى سيتم توفيره بها. هل هى قريبة أم نائية؟ هل هى جاهزة أم جارٍ التخطيط لها؟. 

وتوقع أن يكون السكن البديل «مفروضاً» على المستأجرين، فى ظل حالة من التكدس والتزاحم عليه، باعتباره سيكون ملجأ لمن لا ملجأ له بعد طرده من مسكن عمره .   

واعتبر أحمد أن كل ما يسمعه هو مجرد «كلام مسكنات» لا يوجد شيء منه على أرض الواقع. متسائلا : هل الوحدات البديلة جاهزة، أم سيتم تخصيص أراضٍ، أم سيتم إدراج تلك الفئات ضمن منظومة الإسكان الاجتماعى؟. 

 

 

مسكنات  

 

فى ظل حالة الترقب والقلق التى تسود أوساط مستأجرى الإيجار القديم، خرج أحد خبراء التقييم العقارى، فضل عدم الكشف عن هويته، وأكد أن وعود حكومة الانقلاب بتوفير سكن بديل ملائم للمتضررين ليست سوى «مسكنات» فى الوقت الحالى. مشددا على أنه لا توجد شقق جاهزة على أرض الواقع لتسليمها للمستأجرين فور خروجهم من وحداتهم السكنية. 

وأشار الخبير إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون الإيجار القديم خلقت حالة من الاختناق بين المستأجرين والملاك، ففى الوقت الذى يعمل فيه القانون على استعادة حقوق الملاك، فإنه يقصف الإنسانية بتجاهله لظروف المستأجرين.  

واوضح أن الحل الأمثل كان يكمن فى توفيق الأوضاع بين الطرفين، من خلال تثبيت قيمة للإيجار مع نسبة زيادة متفق عليها، بدلاً من إجبار المستأجرين على ترك وحداتهم والانتقال إلى مساكن مجهولة المصير. 

 

مشاكل اجتماعية 

 

وحذر الخبير من أن القانون قد يسبب مشاكل اجتماعية كبيرة فى وقت تحتاج فيه دولة العسكر إلى استقرار داخلى. واستشهد بأرقام رسمية تشير إلى أن دولة العسكر مطالبة بتوفير ما يقرب من 3 ملايين وحدة سكنية فى إطار مشاريع الإسكان الاجتماعى، لكنها لم تتمكن من توفيرها بعد.  

وتساءل: كيف سيتم توفير وحدات لما يقرب من 1.7 مليون مستأجر خلال فترة قريبة؟ مؤكدا أن غالبية المستأجرين المتضررين هم من كبار السن، وأصحاب المعاشات، وذوى الدخل المحدود، ممن لا يملكون القدرة المالية على مواجهة الأسعار المرتفعة للإيجارات الجديدة أو شراء وحدات سكنية.   

وأوضح الخبير أن هؤلاء المستأجرين فى القرن الماضى لم يكن أمامهم خيار التمليك، بل كان الإيجار هو الخيار الوحيد المتاح، ورغم أن أسعار الشقق فى ذلك الوقت كانت زهيدة، إلا أن معظمهم سددوا إيجارات تجاوزت قيمتها الأصلية. 

وقال: كيف تقنعهم بترك وحدات أفنوا عمرهم فيها واستبدالها بوحدات مجهولة المصير؟ ما يضع علامة استفهام كبيرة حول جدوى الحلول الحالية ومدى قدرتها على التخفيف من حدة الأزمة.