التصريحات الإسرائيلية حول سد النهضة تعكس موقفًا معقدًا بين نفي الدعم المباشر للمشروع، وفي الوقت ذاته تعزيز التعاون مع إثيوبيا سياسياً وتقنياً، حيث ترتبط مصلحة إسرائيل في نفوذها الاقتصادي والأمني في المنطقة بأزمة السد.
وهناك تصريحات لا تعبر بالضرورة عن موقف رسمي موحد، لكنها توضح كيف أن سياسيين يهودًا وإسرائيليين يتعاملون مع ملف سد النهضة باعتباره قضية أمنية واستراتيجية ذات أبعاد جيوسياسية مهمة، ويندرج تصريح (بتساليل يعقوب) المتحدث السابق باسم الليكود أن "مصر تتوسل لنا بسبب سد النهضة، ونحن من حددنا لآبي أحمد كمية المياه التي يعطيها لمصر " ضمن هذه التصريحات.
https://x.com/moatazmatar/status/1964785179651981718
وفي سبتمبر 2024 ومع تقدم مصر بشكوى أمام مجلس الأمن، تناقل ناشطون مصريون محسوبون على لجان الشؤون المعنوية تصريحا نادرا للمستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي اللواء (جيورا إيلاند).
وقال النشطاء: إن "تصريح إيلاند كان خلال خطاب ألقاه في حفل تخرج عسكري في تل أبيب، وإثيوبيا تسيطر الآن على نهر النيل".
وأضاف أن "إدارة إثيوبيا للنهر من خلال سد النهضة الإثيوبي الكبير أنهت فعلياً هيمنة مصر التاريخية على النيل".
وأكمل، "مصر قد تواجه نقصاً حاداً في المياه ما لم تسع إلى مصادر مياه بديلة".
وأردف إيلاند، "إسرائيل ستدافع عن إثيوبيا وتدعمها بقوة ضد أي تهديدات تتعلق بالنيل".
واللواء جيورا إيلاند هو الشخص المسؤول عن اقتراح تهجير سكان غزة إلى سيناء وعرض الأموال على مصر للقبول بتوطين الفلسطينيين في سيناء.
https://x.com/TutAnubis/status/1838490323888099684
وأشار مراقبون إلى تقارير ووثائق دولية تؤكد الدور الإسرائيلي في السد من ناحية؛ تدريب المهندسين في تل أبيب، ووجود خبراء فنيين داخل وزارة المياه الإثيوبية.
ويبدو أن إثيوبيا استعدّت لمواجهة أي تحركات ضد سد النهضة، إذ عزّزت إسرائيل دفاعاته بأنظمة جوية أُطلق عليها "أنظمة النيل الأزرق"، يشرف عليها خبراء إسرائيليون وأمريكيون وتشمل: نظام سبايدر-MR لاعتراض الطائرات المنخفضة، منظومة Pantsir-S1، إضافةً إلى صواريخ S-300 الروسية.
إلا أن السفارة "الإسرائيلية" في مصر نفت في مناسبات عدة أي دور لها في بناء سد النهضة أو تمويله، مؤكدة اعتماد إسرائيل على مواردها الخاصة في المياه عبر تحلية مياه البحر وتكنولوجيا متقدمة.
اتفاقيات معلنة
إلا أنه رسميا أيضا أعلنت تل أبيب عن اتفاقيات تعاون "إسرائيلية" إثيوبية في مجالات مياه وكهرباء وزراعة، بينهما إدخال شركة كهرباء "إسرائيل" لإدارة بعض قطاعات الطاقة في إثيوبيا. ويبرز هذا التناقض بين النفي الرسمي والدعم التقني والسياسي.
وزار رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو إثيوبيا عدة مرات، وأعلن تأييد إثيوبيا في استغلال مواردها المائية، مع اتفاقيات لتعزيز التكنولوجيا الزراعية والمائية.
وأشارت تقارير إلى أنه رغم نفي مشاركة "إسرائيل" الرسمية في بناء أو تمويل السد بشكل مباشر، إلا أن التعاون التقني والسياسي واضح مع إثيوبيا، ومستوى التأثير الإسرائيلي في الملف جزء من الديناميات الإقليمية المتشابكة التي تشمل مصالح متعددة للدول المعنية. التصريحات المشابهة لبتساليل يعقوب موجودة ومتكررة في وسائل الإعلام والتحليلات الإسرائيلية والمصرية على حد سواء، وتعكس تحالفات وأهداف استراتيجية متنوعة مرتبطة بسد النهضة.
واعتبرت أن تصريحات بَتْسَالِيل يعقوب جزءًا من الخطاب السياسي الأكبر حول سد النهضة الذي يشهد تصعيدًا وتشابكًا في العلاقات الإقليمية، حيث تلعب إسرائيل دورًا غير مباشر في الملف، سواء عبر دعم إثيوبيا أو عبر مصالحها الأمنية والتقنية.
تصريحات كاشفة
وتحدث عدد من السياسيين والمحللين الإسرائيليين عن أزمة سد النهضة، مع التركيز على دور "إسرائيل" في السياسة المائية للمنطقة وتأثير السد على نهر النيل، مما يعكس أهمية هذه القضية في الفكر الاستراتيجي "الإسرائيلي".
ومن بين السياسيين والمفكرين اليهود الذين تحدثوا أو تم ذكرهم ضمن هذا الملف:
إسحاق شامير:
رئيس وزراء إسرائيل السابق الذي صرح في 1991 بأنه مستعد لتوقيع معاهدات تتعلق بإعادة توزيع المياه في المنطقة، وهذا يعكس التفكير الإسرائيلي في ملف المياه كجزء من الاتفاقيات الإقليمية.
آرييل شارون:
رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي اعتبر أن مياه النيل والفرات يمثلان "قبضة إسرائيل" بسبب تحالفات مع دول مثل إثيوبيا وتركيا.
عيران ليرمان:
نائب مدير معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية، الذي علق على أزمة سد النهضة واعتبرها من القضايا الإقليمية الديناميكية المؤثرة على استقرار نظام الحكم في مصر.
أوفير فينتال:
باحث في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ناقش دور إسرائيل في مشاريع المياه والطاقة المشتركة مع مصر ودول الحوض وتأثيرها على العلاقات الإقليمية.
موشيه ترديمان:
باحث في السياسة الخارجية الإسرائيلية الذي وصف وضع "إسرائيل" في حوض النيل والبحر الأحمر بأنه "الأفضل من أي وقت مضى"، مشيرًا إلى إستراتيجية إسرائيل في توسيع نفوذها السياسي والاستخباراتي.
كما تحدث سياسيون إسرائيل عن مشروعات قديمة لتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، مثل اقتراح ثيودور هرتزل عام 1903 بنقل مياه النيل إلى صحراء النقب، وهو ما يعكس أبعادًا تاريخية لاستراتيجية المياه في الفكر الصهيوني.
وأعاد حديث الخبراء "الاسرائيليين" عن الجفاف المتوقَّع في نهر النّيل بعد قيام اثيوبيا بمساعدة "اسرائيلية" ببناء سد النهضة الى محاولة "اسرائيلية" عن طريق نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تحقيق ما ورد في نبوءة في العهد القديم (التوراة)، تحديدًا في سفر اشعياء، عن جفاف النّيل الرَّحيب في فترة من الفترات في مستقبل الأيَّام، وفي الغالب لم تتحقَّق تلك النُّبوءة فى الازمنة القديمة. ويتشابه الحديث عن الخراب المحتمل لمصر، الَّذي تحكي عنه نبوة سفر اشعياء (إصحاح 19)، وتناوَل الكاتب والخبير الاستراتيجي والمبشّر الصُّهيوني المسيحي، جويل روزنبرغ، نبوءة خراب مصر في الكتاب المقدَّس، في محاضرة تحت عنوان ‘‘Prophecy: The Future Of The Middle East’
المهندس حيدر يوسف وكيل وزارة الموارد المائية السوداني السابق اكد ان "اسرائيل" هي التي تقف وراء فكرة سد النهضة وان لها دور كامل في مبنى وزارة الموارد المائية والكهرباء في اديس بابا. وأنها تدير الملف عبر خبراء تفاوضيين وفنيين. مع دعم إماراتي عبر الاستثمارات.
حتى إن "إسرائيل" أعلنت أن 20 خبيرا "إسرائيليا" في مجال المياه والزراعة يشاركوا في تقديم الخبرات لأثيوبيا.
وأكد محللون سياسيون وخبراء مصريون منهم وزير الري السابق محمد نصر علام أن تصريحات "إسرائيل" حول رغبتها بالانفتاح على إثيوبيا تحمل أهدافًا استراتيجية للسيطرة أو النفوذ على مياه النيل، مع تحذيرات من أن أي تدخل إسرائيلي في الملف قد يعود بمصلحة عليها لكن بسعر سياسي للعلاقات المصرية "الإسرائيلية".
وفي نوفمبر 2022 كشفت شبكة "بي بي سي" عن وثائق بريطانية، قالت إن "إسرائيل" خططت لنقل مياه نهر النيل عبر سيناء إلى قطاع غزة لدعم قطاع المياه لديها ولدى الفلسطينيين، مع ضرورة إبرام معاهدة إقليمية شاملة تدعمها الدول المجاورة والقوى العظمى بشأن هذا الموضوع.
وفي يوليو 2021 قالت صحيفة معاريف العبرية: إن "مصر طلبت وساطة إسرائيل قبل نحو عامين (2019) في قضية سد النهضة، وتمت مناقشة السؤال المصري بجدية وتقرر في النهاية رفض الاقتراح، لأن "إسرائيل" ترى نفسها قوة إقليمية عسكريا فقط وليس دبلوماسيا".
وفي سبتمبر من العام ذاته 2021 قال أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول الــعــربــيــة في مقابلة تليفزيونية: إن "إســـرائــيــل" استغلت انشغال مصر في الأحداث الداخلية اللي مرت بها في 2011 للبدء في سد النهضة".
وفي يونيو 2024 نشر موقع القناة الثانية "الإسرائيلية"، تقريرا بعنوان "كارثة بيئية تهز الشرق الأوسط أحد أسبابها سد النهضة"، زعمت فيه أن المصريين ربما يصبحون مثل السوريين ويضطرون للجوء إلى دول أخرى هروبا من الجفاف مشيرا إلى أن "إسرائيل" ستكون من هذه الدول"!