في مفارقة أثارت كثيرًا من التساؤلات، خرج وزير الصناعة والنقل، بحكومة الانقلاب كامل الوزير، ليمتدح نظافة مصانع شركة "بـ لبن"، مؤكدًا أن "مصانع الشركة أجزخانة"، رغم أن السلطات ذاتها كانت قد أغلقت تلك المنشآت بحجة أنها تمثل خطرًا على الصحة العامة.
المفارقة الكبرى أن هذه الإشادة جاءت بعد أن دفعت الشركة دفعة أولى قدرها 140 مليون جنيه، لتسوية أوضاعها، بحسب مصادر مطلعة.
الوزير يُلمّع بعد الدفع
في مداخلة هاتفية مع برنامج"بالورقة والقلم"، قال الوزير: إن "مصانع (بـلبن) التزمت بتنفيذ ملاحظات هيئة سلامة الغذاء، وتم فتح المنافذ مجددًا"، مضيفًا أن"المصانع نظيفة جدًا وعلى مسؤوليتي"، رغم أن الهيئة ذاتها كانت قد أغلقتها سابقًا بسبب مخالفات خطيرة.
الوزير أشار إلى أن الرئيس السيسي كان بيتابع بنفسه ويتصل باستمرار، معترضًا على استمرار إغلاق المصنع
في مصر، في الوقت الذي تعمل فيه فروع الشركة في الإمارات والسعودية.
خلفية الأزمة: لماذا أُغلقت "بـلبن"أصلًا؟
في 18 أبريل/نيسان، أعلنت الشركة وقف نشاطها في مصر وإغلاق كافة فروعها البالغ عددها 110 فروع، بعد حملات تفتيش حكومية شملت أيضًا علامات تجارية أخرى تابعة مثل "كرم الشام" و"كنافة وبسبوسة"، و"وهمي"، و"عم شلتت".
جاءت هذه الحملات بعد تلقي الهيئة القومية لسلامة الغذاء شكاوى من مواطنين بوجود منتجات فاسدة، لتصدر الهيئة قرارًا بالإغلاق الشامل.
الشركة ردّت ببيان ناشدت فيه الرئيس السيسي للتدخل، ليتم فعلاً عقد اجتماع "عاجل" مع "جهات مختصة"، لم تُسمَّ وقتها، تلا ذلك إعلان العودة للعمل مجددًا في 1 مايو/أيار.
وراء الكواليس: "ابتزاز ناعم" أم رقابة حقيقية؟
يرى خبير اقتصادي مصري مقيم في أمريكا (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) أن ما جرى هو نموذج لما يسميه "الابتزازالناعم" في بيئة الأعمال المصرية.
وأضاف: "الشركة تعرضت لحملة
منظمة، بدا أن هدفها لم يكن فقط الرقابة، بل الضغط عليها ماليًا، دفع 140 مليونًا دفعة أولى، لتسوية وضعها هو الثمن السياسي والاقتصادي للسماح لها بالاستمرار".
ويضيف: "المفارقة أن الهيئة التي
أغلقت الفروع بدعوى أنها غير صالحة صحيًا، هي ذاتها التي وافقت على إعادة فتحها بعد أسابيع قليلة، دون أي توضيح لما تغيّر على الأرض".
من جانبه، يقول ممدوح الولي، نقيب
الصحفيين الأسبق: "في القانون، لا يجوز غلق منشأة صناعية بهذا الشكل الجماعي دون تحقيق واضح وشفاف، ما حدث يعكس مناخًا غير مستقر يضرب بيئة الاستثمار في مقتل".
لماذا يُلمّع النظام شركة أغلقها بنفسه؟
رسائل الوزير لم تقتصر على الإشادة، بل حملت أيضًا تلميحات سياسية، حين قال: إن "وجود ذبابة أو طير في المصنع وارد، ولكن لا يرتقي لإغلاقه"، في تناقض صارخ مع المبررات الرسمية السابقة التي تحدثت عن خطر على الصحة العامة.
هذا التناقض يطرح تساؤلات حول مدى
توظيف السلطة لأجهزة الرقابة كأدوات ضغط أو تصفية حسابات اقتصادية، ثم العودة للمشهد بإشادات رسمية بعد تسويات مالية ضخمة.
ختامًا: هل عاد "بـ لبن" نظيفًا حقًا، أم فقط دفع ما عليه؟ تبقى الأسئلة مفتوحة، هل التزمت"بـ لبن" فعلاً بمعايير الصحة؟ أم أن دفعها 140 مليون جنيه
"غسل" عنها كل التهم؟ في غياب تقارير مستقلة وشفافة، وبين تناقض التصريحات الرسمية، يبدو أن ما يحكم مصير الشركات في مصر لم يعد القانون أو معايير السلامة، بل "المكالمة الرئاسية" وحجم ما يمكن دفعه لإنهاء الأزمة.