رغم مضي شهر على اتفاق إسرائيل لوقف إطلاق النار مع لبنان، لم تصادق وزارة المالية الصهيونية بعد على ميزانية إعادة تأهيل وبناء الشمال.
وقد أبلغت الحكومة الصهيونية عبر الوزارات والجهات المعنية سكان الشمال النازحين أنها تفضل تأجيل عودتهم حتى فبراير المقبل.
الخوف من تجدد الاشتباكات
وأكثر ما يرعب السكان هو تلميحات القيادة الإسرائيلية بتوجيه ضربات ضد “حزب الله” أو التهديد بإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار، مما يثير خوف السكان النازحين من العودة إلى منازلهم في الشمال، التي تركوها منذ مطلع حرب “طوفان الأقصى” قبل أكثر من 14 شهراً.
وإذا كانت نسبة الرافضين للعودة تتجاوز 60% حتى فترة قريبة، فإن توقعات رؤساء بلدات في الشمال تشير إلى أن النسبة ستزداد بعد التطورات الأخيرة ومواصلة استهداف مناطق في لبنان، وهو واقع، بحسب منتدى رؤساء بلدات الشمال، لا ينذر باستقرار أو هدوء في وقت قريب.
لسنا أغناماً للذبح
يعيش معظم مستوطني الشمال في الجنوب وفي تل أبيب، إذ يعتبرون عودتهم بمثابة “إعلان قتلهم”. فالحكومة تتعامل معنا كقطيع من الأغنام في طريقه للذبح”.
ودعا رئيس مجلس المطلة، ديفيد أزولاي، السكان إلى عدم العودة وإيجاد منزل في تل أبيب والاستقرار هناك. وقال: “أي شخص يقول إن أهداف الحرب قد تحققت فهو لا يقول الحقيقة.
وعلى الرغم من أن خطر التسلل والأنفاق قد أزيل بالكامل تقريباً، فإننا ما زلنا نواجه تهديد النيران المضادة للدبابات، وهو أمر يتطلب إقامة منطقة عازلة على مساحة كبيرة، ومن دون ذلك لن يعود أحد إلى المستوطنات”.
وأصبحت المستوطنات يجتاحها الدمار، فمن يدخل إليها يجد نفسه بعد نحو الشهر من وقف إطلاق النار في مدينة أشباح، بلا سكان أو أعمال أو حركة اقتصادية أو حياتية، ولا حتى بناء يعالج الدمار الكبير.
وأغلقت مداخل المستوطنات، حيث عُلقت لافتة كبيرة كتب عليها: “من دون منطقة منزوعة السلاح – لن نعود إلى ديارنا”.
وتهدف اللافتة التي علقها السكان إلى التأكيد للوزراء والمسؤولين المعنيين أنه من دون وجود عسكري إسرائيلي في الأراضي اللبنانية ومنطقة منزوعة السلاح، لن تنجح إسرائيل في ضمان الأمن، ولن يعود السكان إلى الشمال.
ويقول رئيس لجنة مستوطنة مرغليوت، إيتان دافيدي: “الحكومة الإسرائيلية تفعل الأمور عن علم، وتسلم سكان الشمال لـ(حزب الله) في ظل فوضى خطرة، سنكون نحن أولى ضحاياها. فالحكومة تتعامل معنا كقطيع من الأغنام في طريقه للذبح”.
تصعيد صهيوني
وجاءت تحذيرات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفيل”، الخميس، بعد تصعيد الجيش الإسرائيلي وقصفه لمنطقتي البقاع والقنطرة ونزوح سكان القنطرة، ليعود النقاش بين سكان الشمال إلى مربعه الأول في كل ما يتعلق بعدم ضمان الأمن ورفضهم العودة.
فقد جاءت تحذيرات “يونيفيل” للجيش الإسرائيلي بمثابة إنذار بخطورة انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يعتبره سكان الشمال هشاً وغير قابل للتنفيذ ولا لضمان أمنهم، خصوصاً في البلدات التي تطل على قرى جنوب لبنان.
ودعت “يونيفيل” الجيش الإسرائيلي إلى وقف قصفه على لبنان، والتوقف عن إلحاق الضرر بالسكان اللبنانيين واضطرارهم للنزوح عن قراهم، وطالبته بالالتزام بالاتفاق الموقع والقرار 1701.
إسرائيل، التي تجاهلت هذه التحذيرات، أطلقت تهديدات من قبل مسؤولين في قيادة الشمال خلال جولة في موقع خصصه الجيش للأسلحة التي صادرها من مخازن “حزب الله” في جنوب لبنان. وأعلن نائب قائد وحدة كشف الأسلحة المصادرة في هيئة الأركان، عيدان كتلر، أن هناك كمية كبيرة تشكل 20% من الأسلحة المتبقية لـ”حزب الله” موجودة في مناطق بعيدة لم يصلها الجيش بعد، وهو بانتظار قرار لتنفيذ عملية لتدميرها.
لا عودة من دون منطقة عازلة
هذا الحديث، الذي تزامن مع قصف البقاع والقنطرة، ضاعف قلق السكان من العودة، ليصبح شعارهم اليوم: “لا عودة من دون منطقة عازلة وتعزيز وجود الجيش على طرفي الحدود”، وهو مطلب أطلقه أيضاً أمنيون وعسكريون إسرائيليون يدعون أن لبنان والجيش اللبناني لم ينفذا اتفاق وقف إطلاق النار وجمع الأسلحة المتبقية لدى “حزب الله”.
وبحسب جنرال احتياط والقائد السابق لسلاح البر، يفتاح رون طال، فإن الحكومة الإسرائيلية والكابينت سيتخذان قراراً حكيماً في إيجاد طريقة للبقاء في جنوب لبنان. وقال: “هذه المنطقة ضرورية ومهمة لضمان الأمن لإسرائيل ولسكان الشمال، ولا أرى إمكانية بأن يخلي الجيش هذه المنطقة اللبنانية المهمة، التي كان من المفترض أن يجعلها اللبنانيون منطقة سلام، لكنهم حولوها إلى وضع خطير ولا يحتمل. لذلك، الجيش لن ينسحب وسيبقي المنطقة تحت سيطرتنا بحيث يُمنع دخول أو خروج أي شخص منها. وبتقديري، هذا سيحصل قريباً”.
الجيش الصهيوني باقٍ في جنوب لبنان
من جهته، اعتبر الخبير السياسي المقرب من بنيامين نتنياهو، يعقوب بردوغو، أن الوضع في جنوب لبنان منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار “دراماتيكي”، وسيدفع الجيش إلى البقاء هناك لفترة طويلة.
وقال: “هناك تغيير خطير جداً منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان قبل نحو شهر.
إلى جانب أن سوريا لم تعد قائمة، فإن (حزب الله) بات ضعيفاً من كل النواحي، وهذا قد يجعله يحاول تعزيز قدراته. والمؤكد أنه لن يكون هناك وقف إطلاق نار بعد أكثر من 30 يوماً من الفترة المتبقية. وبتقديري، فإن إسرائيل ستبقى في جنوب لبنان لفترة طويلة”.