في الثامن من أكتوبر 1938، وفى دمنهور بمحافظة البحيرة ولإحدى العائلات المعروفة هناك ولد الباحث والأديب والمفكر الكبير الدكتور عبدالوهاب المسيري، مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية التي تعد أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين.
وأعلنت كتائب القسام انطلاق عملية عسكرية باسم “طوفان الأقصى” من غزة، بضربة أولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية، كما تسلل عدد من عناصرها إلى عدة مستوطنات ومدن إسرائيلية، وردا على ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي إطلاق عملية “السيوف الحديدية” في قطاع غزة.
تلقى المسيرى تعليمه الابتدائى والثانوى في دمنهور، وفى عام 1955 التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية،وتخرج فيها عام 1959، وعين معيدا فيها عند تخرجه ثم سافرللولايات المتحدة عام 1963، وهناك حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزى المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك عام 1964، ثم الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسى عام 1969.
مشروع استعماري
وبعد عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفى جامعات عربية أخرى منها جامعة الملك سعود من 1983إلى 1988والجامعة الإسلامية العالمية في (ماليزيا)،وكان عضوًا بمجلس الخبراء في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام في الفترة من 1970إلى 1975 ومستشارًا ثقافياً للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك في الفترة من 1975 إلى 1979.
وفى حوار معه عن تحوله من اليسار إلى دعم الإخوان أجاب قائلا: «أنا ماركسى على سنة الله ورسوله»وقبل وفاته شغل المسيرى منصب المنسق العام لحركة كفاية وتعرض للاعتقال دون مراعاة لمرضه وسنه، ومما قاله: «إن الطبيعة الوظيفية لإسرائيل تعنى أن الاستعمار اصطنعها لتقوم بوظيفة معينة فهى مشروع استعمارى لا علاقة له باليهودية»، وهناك ملمح في سلوك المسيرى يدلل على براءته ونقائه وهو عشقه للشيكولاته بل كان يقول لا صوت يعلو فوق صوت الشيكولاته، ويذكر أن الدولة تخلت عن علاجه فيما تكفل به أمراء سعوديون، وكان المسيرى قد كتب سيرته الذاتية تحت عنوان «رحلتى الفكرية من البذور إلى الجذور إلى الثمار» إلى أن توفى في 3 يوليو 2008.
ونال الدكتور المسيرى عدة جوائز من بينها جائزة أحسن كتاب بمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2000 عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ثم عام 2001 عن كتاب رحلتى الفكرية، وجائزة العويس عام 2002عن مجمل إنتاجه الفكرى، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2004.
وتعتبر موسوعة الدكتور عبد الوهاب المسيري؛ “اليهود واليهودية والصهيونية” التي قضى في إعدادها ربع قرن من حياته، أحد اكبر الأعمال الموسوعية فى القرن العشرين، فخرجت فى ثمانية أجزاء كمحاولة لإيصال فكرة حقيقية عن اليهود كعدو لم يكن يعرف عنه إلا من خلال كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون”، استعرض فى موسوعته كل جوانب تاريخ اليهود فى العالم القديم والحديث وكافة أحوالهم الاجتماعية وعلاقاتهم بالديانات الأخرى.
تبنى المسيرى سلوكا معارضا طوال حياته حتى أنه قبل وفاته أقام دعوى قضائية ضد المخلوع مبارك عام 2007 يطالب بتطبيق مادة دستورية تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة بعد انتشار الأسماء الأجنبية فى مصر.
في عقد السبعينيات بدأت الملامح الأُولى لاهتمام المسيري بالدراسات الاستعمارية، ومنها دلفَ إلى الصهيونية بوصفها التمثيل الأبشع والأخطر على العالَم العربي والإسلامي، ومن هُنا وقّع كتابه الأوّل في هذا الحقل، والذي حمل عنوان “نهاية التاريخ: مقدّمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني” (1972)، ومن ثمّ أتبعه بإصدار آخر بعنوان “موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية” (1975). في هذين العَمَلين وضع المفكّر المصري لَبِناتٍ قوية سيبني عليها، لاحقاً، مشروعه الفكري الشامل.
وفي هذه الفترة صدرت له عدّة دراسات باللغة الإنكليزية من أهمّها كتاب “أرض الوعد: نقد الصهيونية السياسية” (1977)، كما صدر له عام 1981 كتاب من جزأين بعنوان “الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة” (1981).
وبعد هذه الاشتغالات التي تُفكّك الذهنية العنصرية التي تنطلق منها أيديولوجيا الصهيونية، ذهب المسيري صوب تكوين موسوعة تكون مرجعاً في مجالها، ولكن العمل الذي كان يُخطّط لإنجازه في أعوام لم يصدر إلّا سنة 1999، وبدل أن يكون مجرّد كتابٍ يُكمّل المشروع، رأى النور على هيئة موسوعة من ثمانية مجلّدات بعنوان “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
نموذج تفسيري جديد
مع هذا كلّه، لم يكتفِ المفكّر الراحل عند موسوعته التي صارت أشهر أعماله، بل توسّع أكثر في العقد الأوّل من الألفية في هذا المسار، مُحاولاً رصد الجذور الفكرية التي تُسيِّر الإجرام الصهيوني المرتكب بشكل يومي ضدّ الشعب الفلسطيني، منذ عام 1948. لهذا نجده يوقّع كتباً مثل “البروتوكولات واليهودية والصهيونية” (2003)، و”في الخطاب والمصطلح الصهيوني” (2005)، و”من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟ أسئلة الهوية وأزمة الدولة اليهودية” (2008).
لم يقصر المسيري اهتماماته على الموضوع الصهيوني، بل اعتبر موسوعته درساً عملياً في إطار مشروعه النظري الأوسع، والذي اشتبك فيه بمفاهيم الحداثة والإمبريالية والعلمانية، وصكّ مصطلحات ميّزت لغته المفاهيمية مثل “المجتمع التراحمي” و”المجتمع التعاقدي” و”الحلولية”، في محاولة منه لتفسير التيارات الفلسفية المأخوذة بالنزعة المادية، والتي تجرّد الإنسان من كينونته وعلاقات الروحية.