رغم خطة “كوين سيرفيس” التي استولى بها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي على أموال المصريين، ما زالت القمامة من أكبر المشكلات التى تواجه المواطنين، وتؤثر على صحتهم، وعلى المظهر الجمالي والحضاري للبلاد، لتعلن ضياع الأموال الطائلة التي يجمعها نظام السيسي من المصريين لجمع القمامة، حيث لا توجد صناديق مخصصة للمواطنين لإلقاء القمامة فيها ببعض المناطق، الأمر الذي يضطرهم لإلقائها في الشوارع وعلى أسوار المدارس والمساجد والمباني.
وتتفاقم أزمة القمامة رغم تعاقدات حكومة الانقلاب مع شركات نظافة أجنبية بعقود طويلة، ومنذ ذلك الحين تحولت القمامة إلى إتاوة يدفعها المواطن على فاتورة الكهرباء دون أن يتلقى خدمة، لتتحول مدينة مثل القاهرة، التى كانت يومًا ما من أجمل مدن العالم، إلى الثانية عالميا فى تلوث الهواء.
وكشف تقرير منظمة الصحة العالمية، عن أن القاهرة التي كانت أجمل مدينة في العالم في أربعينيات القرن الماضي، تحولت إلى الثانية عالميًّا في تلوث الهواء والبيئة، بعد أن عجزت الحكومة عن حل مشكله القمامة؛ بسبب الإهمال والتسيب وفشل منظومة النظافة الحالية.
يأتي ذلك في الوقت الذي ينتشر فيه الفساد في المحليات والمحافظات؛ نتيجة تولّي المسئولين في هذه الأجهزة مناصبهم بالتعيين وليس بالانتخاب، فضلا عن تفرغهم لجمع الرشاوى، تحت سمع وبصر سلطات الانقلاب.
أكثر المدن تلوثًا
وتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية والبنك الدولى تدهور نوعية الهواء بصورة بالغة الخطورة، حيث احتلت القاهرة الترتيب الثانى كأكثر المدن تلوثًا للهواء، فقد بلغت معدلات الملوثات بها 20 ضعف الحدود المسموح بها، وتسببت في أضرار تتجاوز تكلفتها 60 مليار جنيه، وكان من أبرز أسباب التلوث سوء التعامل فى التخلص من القمامة عن طريق مدافن غير آمنة وغير مطابقة للمواصفات.
ويشير تقرير حالة البيئة الصادر من وزارة البيئة، إلى أن معالجة وتدوير المخلفات لا تتجاوز 12%، والمدافن الصحية 7%، فى حين أن التخلص غير الآمن عن طريق مقالب عمومية وعشوائية يشكل 81%.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من الآثار الضارة من التخلص غير الآمن للقمامة بصحة الإنسان وتعرضه لملوثات الهواء فى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية والتنفسية، فضلاً عن سرطان الرئة، فالتعرّض للملوثات المنبعثة جرّاء حرق المخلفات من أسباب زيادة معدلات الوفيات، على الرغم من امتلاك جهاز شئون البيئة آليات قانونية لوقف جرائم التلوث التى ترتكبها الشركات الأجنبية منذ سنوات، حيث يجوز لمصر فسخ العقد إذا بلغت جملة الغرامات الموقعة على الشركة 10% من قيمة التعاقد السنوي، وقد تجاوزت مخالفات بعضها هذه النسبة بمراحل، وذلك ثابت بموجب خطابات محافظة القاهرة، والسؤال: لماذا لم تطبق وزارة البيئة شروط العقد وتطبق قانون البيئة لحماية المواطن؟.
ثلاث مراحل
ونقلت صحيفة “الأهرام” الحكومية عن شيرين فراج، أستاذ الهندسة الطبية بجامعة القاهرة وعضو برلمان العسكر، أن منظومة الإدارة السليمة للقمامة لا بد أن تشمل ثلاث مراحل ترتبط كل منها بالأخرى، وأى خلل فى تنفيذ مرحلة ما ينعكس بالسلب على كفاءة تشغيل المنظومة ككل، وهي: مرحلة التولد والتخزين والتجميع، ومرحلة النقل، ومرحلة المعالجة والتصرف، وهذه المراحل حاليا يشوبها الكثير من القصور، وبالتالى الحل السريع الآن هو الدفع بأعداد كبيرة من العمال والأدوات والأجهزة للقيام بجمع ونقل القمامة إلى مكان للفرز الفورى خارج كل محافظة، وتخصيص جهة لتلقى البلاغات والتجاوب فورا معها، والضرب بيد من حديد على كل متقاعس عن العمل من المحليات ووزارة البيئة، وإغلاق فورى وصحى لجميع المدافن غير الصحية، وسرعة إنشاء مدفن صحى مؤقت بطريق العين السخنة، ومراجعة المواصفات القياسية لمواد التغليف والتعبئة فى قطاعات الصناعات الغذائية والدوائية وكافة المستهلكات المنزلية، بحيث تضمن استخدام المواد القابلة للتدوير حتى يمكن إعادة تصنيعها فى منتجات غير حاويات الدواء أو الغذاء، حيث يمنع ذلك من التضخم فى حجم القمامة الناتج عن هذه المواد، مع ضرورة التأكيد فى المواصفات الصناعية على قبول مصنعى المواد الكيماوية المنزلية لكل عبوات منتجاتهم الفارغة، وتخفض من قيمة العبوة الجديدة، بما يضمن التوفير للمستهلك والمنتج والحد من استخدام العبوات فى غش المنتجات وكذلك الحد من القمامة.
وتطالب الدكتورة شيرين بضرورة وضع منظومة لنقل النفايات، بالتنسيق مع وزارة الإسكان لتخطيط مناطق للكبس وغيرها من معالجات أولية بأساليب صديقة للبيئة للمخلفات الناتجة داخل كل منطقة، لدعم قدرة التدوير والجدوى الاقتصادية منها، فضلا عن التنسيق مع وزارة الصناعة لتخطيط أماكن فى المناطق الصناعية لإعادة التدوير، وفقا لكميات المخلفات الناتجة من كل منطقة ونوعيتها ومدى قربها من المناطق الصناعية؛ وذلك لدعم الجدوى الاقتصادية لأى مشروع للإقلال من تكلفة نقل المخلفات.
مخلفات المستشفيات
وحذرت الدكتورة سامية جلال، أستاذ صحة البيئة بالمعهد العالى للصحة العامة بجامعة الإسكندرية، من أن مخلفات المستشفيات «كارثة»، ونبهت الى أنه لا يتم تسجيلها قبل إعدامها والتخلص منها، فتقع فى أيدى مصانع بئر السلم التى تقوم بإعادة استخدامها وطرحها بصيدليات المحافظات البعيدة والنائية، وذلك بعد طباعة تاريخ صلاحية وهمي، فضلا عن أن بعض المستشفيات تقوم بحرق مخلفاتها، ومعظمها مواد بلاستيكية، فتؤدى إلى انبعاث غازات وأبخرة تضر بصحة المواطنين.
وأكد أحدث تقرير لوزارة البيئة حول الموقف البيئى والصحى للمدافن والمقالب العشوائية بشرق القاهرة، أن نتائج الرصد البيئى الخاصة بحجم الانبعاثات الصادرة عنها وقياسات وزارة الصحة على مدار عام كامل، عدم تجاوز المتوسط اليومى والسنوى لغازات ثانى أكسيد الكبريت وثانى أكسيد النيتروجين والأوزون وأول أكسيد الكربون، للحدود القصوى المنصوص عليها فى القانون رقم 4 لسنة 1994 فى كافة محطات الرصد القائمة فى مدينة نصر والقاهرة الجديدة، خلال الربع الأول لعام 2018، وأيضا انخفاض تركيز العديد من الملوثات الغازية التى يتأثر بها العاملون بتلك المقالب لا تتجاوز 30%، بالقياس إلى مايو الماضي، بينما أوضحت نتائج معاينة منطقة الواحة المجاورة لمقلب الطوب الرملى زحف الكتلة السكنية إلى جوار حدود المقلب دون موافقات بيئية، وهذا يعنى استمرار التأثير السلبى له حتى فى حالة إغلاقة التام لما يحتويه من جسيمات عالقة تنقلها الرياح للمنشآت السكنية المجاورة.
المقالب العشوائية
وفيما يتعلق بخطة نقل وإغلاق المدافن والمقالب العشوائية بشرق القاهرة، والتى تستخدم منذ عقود عديدة كمقالب مفتوحة (غير صحية) للتخلص من القمامة، ومع التوسع السكنى لمنطقة شرق القاهرة، أصبحت هذه المواقع تمثل مصدرا للتلوث البيئى، لذا أعدت وزارة البيئة بحكومة الانقلاب خطة زمنية للتخلص منها، بالتزامن مع انتهاء عقود الشركات الأجنبية مع الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة.
وتعتمد خطة نقل المدافن والمقالب على إيجاد بدائل لها بصحراء العبور؛ للتخلص الآمن من القمامة وإقامة خلايا لاستقبال قمامة شرق وشمال القاهرة تكفى لاستيعاب القمامة المتولدة ثلاث سنوات، وذلك قبل إغلاق المواقع الحالية لتفادى تكدس القمامة بشوارع العاصمة، مما قد يؤدى إلى أزمة بيئية وصحية.